نيوز بلوس/الرباط
تحل ذكرى وفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في 9 ربيع الثاني، كحدث تاريخي مهم في الذاكرة الجماعية للشعب المغربي. ففي هذا اليوم، يتذكر المغاربة بكل تقدير وإجلال، ملكًا وزعيماً متفرداً نجح في توحيد البلاد وإرساء دعائم نهضتها الحديثة. يُعد الحسن الثاني، الذي وافته المنية قبل 26 عامًا، من بين القادة الذين تركوا بصمة لا تُمحى على الصعيد الوطني والدولي، حيث تميز مساره الحافل برؤية استراتيجية بعيدة المدى، خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
قيادة تاريخية لرؤية وطنية شاملة
تولى الملك الحسن الثاني الحكم في 3 مارس 1961، في ظروف سياسية واقتصادية حساسة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ورغم التحديات الجسام، تمكن الحسن الثاني من إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية وتعزيز السيادة المغربية بعد فترة الاستعمار الفرنسي. وقد تجلت بصماته الواضحة في مختلف المجالات، حيث ركز على تحقيق الاستقرار السياسي والدفع بعجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
سياسيًا، تمكن الملك الراحل من تحقيق توازن بين الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية والانفتاح على العالم. فقد قاد البلاد نحو مسار إصلاحي متميز من خلال دستور 1962، الذي يعد أول دستور للمملكة بعد الاستقلال، وأرسى قواعد الحكم الدستوري ودولة المؤسسات. كما عمل على تقوية مؤسسات الدولة الحديثة وضمان استقرارها، رغم التحديات والصراعات الداخلية والخارجية التي كانت تحيط بالمملكة في تلك الفترة.
مكانة الحسن الثاني في الساحة الدولية
على المستوى الدولي، برع الحسن الثاني في توظيف مكانة المغرب الجيوسياسية لتعزيز دوره كوسيط في العديد من النزاعات الدولية. كان له دور بارز في النزاع العربي الإسرائيلي، حيث نظم القمة العربية في الرباط عام 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. هذه الخطوة الدبلوماسية زادت من مكانته كقائد عربي يتمتع بثقة واحترام قادة العالم.
كما كان المغرب في عهد الحسن الثاني رائدًا في تعزيز علاقاته مع القوى العالمية الكبرى، سواء في أوروبا أو أمريكا أو العالم العربي، مما مكّن المملكة من الحصول على دعم دولي مهم في قضاياها الاستراتيجية.
نهضة تنموية حديثة
إلى جانب إنجازاته السياسية والدبلوماسية، لم يغفل الحسن الثاني عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. أطلق مشاريع ضخمة كانت بمثابة أسس لتطوير البنية التحتية الوطنية، ومن بينها مشروع السدود الذي هدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال المياه والطاقة، كما أسهم بشكل كبير في تحسين حياة الملايين من المغاربة.
ومن بين الإنجازات الكبرى التي يشهد لها التاريخ هي استعادة المغرب لأقاليمه الجنوبية عبر تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975، التي كانت إحدى أبرز محطات حكمه، وأظهرت قدرته الفائقة على تحقيق الإنجازات الكبرى بسلمية وحنكة.
شخصية استثنائية
شخصية الحسن الثاني كانت استثنائية، فهو لم يكن ملكًا يدير شؤون بلاده فقط، بل كان مفكرًا ومثقفًا، جمع بين السياسة والفكر والثقافة. كان يتمتع بقدرة على الخطابة ورؤية ثاقبة مكنته من كسب احترام قادة العالم، كما كان له حب كبير للشعب المغربي الذي بادله الولاء والتقدير.
في هذه الذكرى، يقف الشعب المغربي إجلالاً وتقديرًا لموحد البلاد ومؤسس نهضتها الحديثة، ويستحضرون إرثه الكبير، وهو إرث ما زال يوجه مسار المملكة حتى اليوم تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس.
الملك الحسن الثاني سيظل دائمًا رمزًا للاستقلال والنهوض، وقائدًا نجح في عبور بالمغرب مراحل دقيقة من تاريخه نحو مستقبل مشرق.