قراءة في كتاب “التجربة الديمقراطية في المملكة المغربية”

بقلم الباحثة سمية مزور في علم السياسة✍🏻

في قراءة لي لكتاب “التجربة الديمقراطية في المملكة المغربية” والذي كان الدافع وراء قراءته بالنسبة لي هو البحث عن الأسباب التي خلقت وكانت وراء تلك الروح الوطنية في عهد الحماية لدى المواطنين حيث تولدت عنها الحركات الوطنية والتي كانت تحرك الشعب وإنتقلت من ممارسة العمل السياسي إلى الكفاح المسلح بحمل السلاح في وجه المستعمر، ولقد تفرخت عن هذه الحركة أحزاب تاريخية كانت بطلة بوطنيتها وبمواقفها وبنضالاتها و لازالت قائمة إلى يومنا هذا، والمثير هو أنني لمست وجود دافعين إثنين أولهما المطالبة بالاستقلال التام أي إستعادة السيادة المغربية وتحقيق استقلال الوطن في إطار وحدته الترابية والسياسية في ظل ملكية دستورية وكذا مناهضة النظام الإستعماري الذي كان قائما آن ذاك بالعمل على إخراجه.
والملاحظ أن تركيبة هذه الحركات كانت تتكون من الطبقة البورجوازية الوطنية التي تضررت من قانون يمنع تأسيس شركات ذات رأس مال مغربي وعدم المشاركة في النشاط الصناعي و الطبقة المتوسطة من المثقفين الذين لم يجدوا وظائف إدارية حيث إنفرد بها المستعمر وعملاؤه، و يذكر إلى جانب هؤلاء فئة كبيرة من الفلاحين الذين سلبت أراضيهم من قبل المستعمر وهاجروا إلى المدن بالإضافة إلى فئة من الصناع التقليديين وكذا التجار حيث بارت تجارتهم جراء تكديس السوق المغربية بمنتجات المستعمر فهذه التركيبة شكلت لحمة قوية وجبهة وطنية عريضة كانت دوافعها واضحة المعالم والمصالح وإن إختلفت فهي مشتركة وهي مواجهة العدو المشترك.
عزيزي القارئ هذه المقدمة أحالتني على التساؤل التالي: اليوم ماهو دور الأحزاب السياسية في المشهد السياسي؟ كيف لها أن تطوي صفحة وعودها التي وعدت بها الشعب في الاستحقاقات الأخيرة دون الإلتزام بها؟ أين هي البرامج الحزبية في الشعارات الرنانة؟ أين هي من تنزيل الإصلاحات والتغيير لصالح الوطن والمواطن؟
إن الملاحظ أننا إنتقلنا من إستياء سياسي إلى إستياء الشعبي فالمشهد السياسي الحزبي بالمغرب يعرف غياب الأحزاب السياسية عن دورها في التوعية والتأطير والتكوين وتواجدها بجنب المواطنين، وهذا الغياب يمتد طيلة السنوات التي تلي الاستحقاقات الإنتخابية التي يراهن عليها الشعب بمطالبه وانتظاراته، وكذا تغيب الزعامات الوطنية التي تعبئ الشعب وتوحده وتحيي فيه الروح والهوية الوطنية مما يرجح عودة الوضع إلى الحلقة المفرغة و النتيجة المألوف أداء سياسي مخيب🥴 غياب الحوار وغياب التواصل والتجاوب بين الحكومة والشعب، ويتحمل هذا الأخير عبئ نتيجة صناديق الاقتراع، وهنا يترك الشعب الشأن العام لحال شأنه وللنخب ويتكل على الحكومة والأحزاب لإصلاح الأوضاع وتحقيق الآمال.
ولكن تخيب الآمال ولنفس الأسباب حسابات ضيقة خاطئة وخطط ارتجالية وآداء هزيل لنخب نرجسية انتهازية تستبيح احتكار السلطة وتفرط في المصلحة الوطنية، ويتجرع الشعب مرارة تأزم الأوضاع!!
فمتى تتجاوز الأحزاب السياسية المهووسة بالسلطة تلك النرجسية؟ ومتى يتحد الشعب كشعب واع بحقوقه متمسكا بكرامته يصوت على من يستحق؟ ويقطع الطريق أمام جامع المناصب وأمام الجامعين بين السلطة والمال؟؟!!
ما الفائدة من أحزاب لا تعرف معنى للحوار وللمشاورات طريق “لا كلمة فوق كلمتهم”؟ كيف لأحزاب لها وجه قبل الانتخابات ووجوه بعد الانتخابات؟ وكيف لها أن تتقن فن المراوغة في المشهد السياسي؟؟
الأسئلة كثيرة والأجوبة مفقودة🧐 بالنسبة لي يجب بادئ ذي بدء رفع الرهان لإصلاح المشهد السياسي الحزبي ببلادنا و إلغاء المعادلة الصعبة القائمة على أن النخب السياسية الحاكمة تحاول الحفاظ على السلطة(الأغلبية) والنخب السياسية المعارضة تحاول بدورها الإطاحة بالنخب السياسية الحاكمة (الأغلبية) والوصول إلى السلطة، فنحن نريد أغلبية فعالة ومعارضة قوية متشبتة بمواقفها وبخرجاتها تتنافسان على طاولة المصلحة العامة للوطن والمواطنين، فللأسف يضيق المجال أمام أحزاب المعارضة لتأخذ دورها بوجود قادة يتنازعون حول السلطة يمارسون كل وسائل الإقناع أو الاغراء أو الحيل أفعال تسيء للممارسة السياسية من أجل تحقيق الرغبة في الوصول للسلطة والحكم فلا تهم الوسيلة المهم هو الوصول للغاية🤵‍♂.
فبعد إلغاء تلك المعادلة يمكن الحديث عن البعد الوظيفي للمؤسسات الحزبية السياسية على إعتبار أنها فاعل سياسي رئيسي في مشروع بناء المجتمع الديمقراطي وفي تدبير الشأن العام، وما عليها سوى تداول السلطة و عملها على إقرار العدالة المجالية والاجتماعية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وإستكمال تنزيل الحقوق والحريات كمثال (قانون الإضراب)، وإخراج بعض المؤسسات الدستورية من الوثيقة الدستورية والتي لازالت لم ترى النور من الورق إلى الواقع (هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز و المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة)، وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والإرتقاء بالنفس بجعل كل فرد جزء من الحل وليس جزء من المشكلة، ونرسخ للحس الوطني خدمة للصالح العام، كما أنني أدعوا القوى السياسية أن تظهر بمظهر النضج السياسي وتنقذ ما يمكن إنقاذه من ماء وجهها وتسعى لترسيخ الديمقراطية السياسية وتحقيق العدل الإجتماعي والاقتصادي بتدابير ترفع ضغط الحاجة عن كل الطبقات الشعبية التي تعيش أزمة خانقة ساكنة وأن تكون شجاعة في إدانة ومحاسبة كل من يستغل إمكانيات الوطن لتحقيق الغنى الفاحش غير المبرر، كما عليها أن تلعب دورها في تكوين وتأطير نخبة سياسية مثقفة يعول عليها في مستقبل المغرب بفتح فضاءاتها للنقاش والحوار حول القضايا الراهنة إستكمالا لإتمام بناء الصرح الديمقراطي الدستوري وإستكمال تنزيل الأوراش الكبرى بالمغرب والأرواش الملكية الكبرى (النموذج التنموي الجديد- الجهوية المتقدمة) والعمل على تفعيل مقترح مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ومواكبة التحولات العميقة في منتظم المجتمع الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ومسايرتها لتطوير مجتمعنا وتحقيق التنمية المنشودة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
-الباحثة سمية مزور في علم السياسة.
-حاصلة على شهادة الماستر تخصص” العمل السياسي والعدالة الدستورية”.
-خريجة كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية السويسي بجامعة محمد الخامس الرباط.