أشرف بولمقوس: باحث في العلوم السياسية
يعلم الجميع أن الطريق للديمقراطية شاق و ملغم ، و أن وجود مؤسسات و انتخابات و هامش للحريات ليس هو الكفيل بتحقيق الديمقراطية في اي بلد ، تونس تجربة استثنائية بشمال افريقيا و ما تعيشه من مخاض لا يمكن أن يكون إلا صحيا , لكنها تطرح الكثير من الاسئلة السياسية و الدستورية و الاقتصادية و التنموية و غيرها ، و هي أسئلة تحتاج لدراسات علمية دقيقة و أيضا لاجابات واقعية تخرج تونس من أزماتها المتوالية , لكن يمكن التفاعل مع ثلاث أسئلة آنية في تونس : هل ما أقدم عليه قيس سعيد يعد انقلابا ؟ هل تجاوز الرئيس التونسي وهو أستاذ القانون الدستوري الدستور ؟ ما التأويلات الممكنة لما أقدم عليه رئيس الجمهورية التونسية ؟ يعرف الانقلاب على أنه الاطاحة برأس الدولة بواسطة مجموعة من الافراد في الغالب الجيش ، كما يمكن أن يدرج ضمن الانقلاب كل أعمال العنف التي قد ترتكبها أحد مكونات الدولة بغاية عزل رأس الدولة ، و داخل الجيش لا يعد ضمن الانقلاب إلا الحركية العسكرية التي تدار من رتب أدنى في الجيش ضد من يعلوها ، و من علامات الانقلاب السيطرة على المباني الحكومية و اعتقال أو عزل رأس الدولة مع بيان في الاذاعة الرسمية ، انطلاقا مما سبق لا يمكن أن يعتبر ما أقدم عليه رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد انقلابا . هل تجاوز قيس سعيد الدستور : يشترط الفصل 80 من الدستور التونسي : الفصل 80 ”لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية ، و ذلك بعد استشارة رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب و اعلام رئيس المحكمة الدستورية ، و يعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب ” …. يشترط هذا الفصل المتعلق بحالة الاستثناء الذي استند إليه الرئيس التونسي استشارة رئيس الحكومة و كذا رئيس مجلس نواب الشعب مع إخبار رئيس المحكمة الدستورية ، هذه الاخيرة لم ترى النور بعد في تونس حيث كان يفترض تأسيسها في أجل عام من صدور دستور تونس لعام 2014، علما أن الرئيس التونسي سبق له و أن عرقل تشكيل المحكمة الدستورية عندما اعتبر أن تشكيلها بعد 6 سنوات يعتبر خرقا للدستور الذي حدد ذلك داخل أجل عام واحد، واصفا موقف البرلمان ب ” الموقف الدستوري المستحيل” مما يزيد الوضع تعقيدا و يجعل اللجوء للفصل 80 من الدستور التونسي معيب ، لاستحالة توفر شروط تفعيله في الوقت الراهن ، بناء على ما سبق يمكن اعتبار أن ما أقدم عليه الرئيس التونسي تجاوز للدستور أو على الاقل تحايل على الدستور. انزلاق أم امتحان ديمقراطي : تونس منذ سنوات تعيش نوعا من فقدان التقة بين المواطن و الفاعل السياسيو هو ما تتشارك فيه مع دول المنطقة ، لكنها تعيش ايضا من جهة آخرى نوع من التجادب السياسي الاستثنائي في أحيان كان يكسبها خطوات هامة على مستوى الحقوق و الحريات لكن يجعلها دائما مهددة من قوى تعادي الديمقراطية ، هذا التوجس يجعل أي حركية في المشهد السياسي يخشى منها أن تشكل ” ردة ” ديمقراطية، فتصرف الرئيس التونسي فسر ارتباطا باللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، كذلك بتصريح سابق له يؤكد فيه على صفته كقائد للجيش التونسي ،في انتظار ما ستفرزه الايام القادمة في تونس، يبقى السؤال المقلق مطروحا ،هل هو امتحان اخر من امتحانات الانتقال إلى الديمقراطية أم تراجع سيجعل وصف أحداث المنطقة بالخريف وصفا أقرب للصحة؟.