فن قول ‘لا’: استعادة السيطرة على حياتك دون الشعور بالذنب

نيوز بلوس / بكاس محمد 

في حياتي المهنية والشخصية، لطالما كنت ذلك الشخص الذي يتجنب قول “لا”، خاصة في تلك المواقف التي يتوقع الآخرون مني أن أكون على الدوام متاحاً. كانت بداية ذلك من رغبة بريئة في المساعدة والتعاون، لكن بمرور الوقت تحولت هذه الرغبة إلى عبء يتراكم على كاهلي شيئًا فشيئًا. كنت أعتقد أنني بتقديمي تلك التنازلات الدائمة سأكسب احترام وتقدير الآخرين. لكن ما الذي حدث فعلًا؟ كنت أواجه مواقف تتكرر، حيث يأتي إلي الأشخاص بطلبات تفوق إمكانياتي، بينما كانوا على يقين بأنني لن أرفضها.

لم يكن الأمر مجرد قبول مهمات إضافية في العمل أو تقديم خدمة لصديق، بل كانت المسألة أعمق من ذلك بكثير. لقد وصلت إلى مرحلة شعرت فيها بأنني أفقد جزءًا من نفسي. لا أتكلم هنا عن الإرهاق الجسدي فقط، بل عن استنزافٍ نفسي، حيث صارت كلمتي “نعم” تخرج تلقائيًا دون أي تفكير، حتى عندما كنت متأكدًا أنني لا أستطيع الوفاء بما يُطلب مني.

الطيبة الزائدة كفخ نفسي

تلك الطيبة الزائدة كانت في البداية تجلب لي شعورًا بالراحة، أو هكذا اعتقدت. كنت أتصور أن كوني متعاونًا يعني أنني شخص جيد يستحق الاحترام والمحبة. لكن هذه النظرة كانت ساذجة. بمرور الوقت، أدركت أن هناك من يستغل هذا النوع من اللطف لصالحه. فهم لم يعودوا يرونني كشخص “محترم”، بل كأداة يمكن اللجوء إليها عند الحاجة، دون مراعاة لوقتي أو طاقتي.

لقد وجدت نفسي، في أكثر من مرة، أقوم بأعمال لم أكن مقتنعًا بها أو لم يكن لدي الوقت الكافي لها، فقط لأنني كنت أخشى أن أبدو كشخص أناني إذا رفضت. هذه الفكرة المغلوطة التي ترسخت في عقلي، جعلتني أعتقد أن قول “لا” سيجعل الآخرين ينظرون إلي بسلبية. لكن الحقيقة التي غفلت عنها هي أن من يحترمك بالفعل لن يطالبك بأكثر مما تستطيع، ولن ينظر إلى رفضك كإهانة.

متى يجب أن نقول “لا”؟

من خلال تجربتي، تعلمت أن قول “لا” ليس عيبًا ولا يجب أن يكون مصدرًا للشعور بالذنب. بالعكس، “لا” هي كلمة تحميك وتحافظ على سلامتك النفسية. ليس من الضروري أن تشرح أسبابك كل مرة تقول فيها “لا”. يجب أن تكون قادرًا على تحديد أولوياتك ومعرفة ما إذا كان الوقت والطاقة يسمحان لك بقبول المزيد من المسؤوليات.

إن قول “نعم” للجميع يعني أنك تقول “لا” لنفسك، لأهدافك وأحلامك، لتلك اللحظات التي تحتاج فيها للتوقف والتفكير في حياتك وما ترغب في تحقيقه. كل مرة كنت أقول فيها “نعم” لخدمة إضافية كنت أتنازل عن وقتي الشخصي، عن لحظات راحتي، وحتى عن قدرتي على التركيز في أهدافي المهنية.

التوازن بين اللطف والحدود

الطيبة ليست مشكلة بحد ذاتها، لكن عندما تتحول إلى استغلال متواصل من الآخرين، تصبح عبئًا يجب التوقف عنده. ما تعلمته هو أن وضع حدود واضحة وصريحة ليس أنانية، بل هو احترام للنفس وللآخرين. يمكن أن تكون لطيفًا، ولكن في حدود معقولة. تعلمت أن الشخص الذي يحترمك فعلًا سيقدّر قولك “لا”، وسيُدرك أن لديك حدودًا وطاقة لا يمكن تجاوزها.

علينا أن نعيد تعريف مفهوم اللطف، وأن نفهم أن الرغبة في مساعدة الآخرين لا تعني التضحية بأنفسنا أو راحة عقولنا. عندما يكون لديك وعي بما تستطيع فعله وما يتجاوز طاقتك، فإنك تصبح قادرًا على التحكم بحياتك بشكل أفضل، وتجنب الوقوع في فخ الإجهاد المستمر.

في الختام، إن القول “لا” هو أحد أعظم الأدوات التي تعلمتها في حياتي، وهي ليست كلمة تُقال لتجنب المسؤولية، بل هي وسيلة لإعادة التوازن إلى حياتي. اختر متى تقول “نعم” بحكمة، وكن مستعدًا لأن تقول “لا” عندما يتطلب الأمر ذلك. تلك الكلمة الصغيرة قد تكون ما تحتاجه لاستعادة حياتك.

بمجرّد وصولك لنهاية هذا  المقال فهذا يعني أنّك شخص تهتمّ لأمرِ نفسك