نيوز بلوس / محمد بكاس
في مجتمعنا الحالي، نلاحظ ظاهرة غريبة ومتكررة، وهي تأليه الأشخاص الذين يتبنون مواقف معينة، ثم الهجوم عليهم بحدة عندما يغيرون وجهة نظرهم أو يراجعون مواقفهم.
هذا الأمر يبرز بشكل جلي عندما نتحدث عن بعض الشخصيات العامة، مثل الصحفي توفيق بوعشرين، الذي تعرض لهذه الظاهرة بعد موقفه من مشروع القطار فائق السرعة بين الدار البيضاء وطنجة.
بوعشرين كان في البداية ناقدًا شرسًا للمشروع، معتبرًا أن الأموال التي تم استثمارها فيه كان من الأفضل توجيهها إلى القرى والمناطق التي تعاني من نقص في البنية التحتية. ولفترة طويلة، ظل صوته معبِّرًا عن هذا الموقف، مما جعله يكسب تأييد الكثير من الناس الذين يشاركونه نفس الرأي. ولكن حين جرب الركوب في “البراق” ولاحظ الأهمية التي حققها هذا المشروع من حيث تقليص مدة السفر وتطوير البنية التحتية، قرر أن يعترف بأنه كان مخطئًا في موقفه السابق.
هذا الاعتراف الناضج والشجاع لم يمر دون ضجيج. بدلاً من أن يُحتفى ببوعشرين على شجاعته في مراجعة مواقفه والاعتراف بخطأه، وُجِّه له سيل من الانتقادات اللاذعة. فبين من اتهمه ببيع “الماتش” ومن اعتبره “مطبلًا”، انهالت عليه التعليقات السلبية، وكأن الناس يريدون أن يبقى بوعشرين، أو أي شخص آخر، في نفس الموقف الذي اعتادوا عليه، مهما تغيرت الظروف أو المعطيات.
هذه الظاهرة تعكس مشكلة أكبر في مجتمعنا، وهي غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ وتقدير الشجاعة في تغيير المواقف بناءً على الحقائق الجديدة. الاعتراف بالخطأ ليس عيبًا، بل هو دليل على النضج الفكري والشجاعة الشخصية. لكن للأسف، البعض يرى في هذا التغيير ضعفًا أو خيانةً، وكأن الإنسان مطالب بالبقاء أسيرًا لموقف واحد مدى الحياة.
المشكلة لا تكمن فقط في الأفراد الذين ينتقدون، بل في الثقافة السائدة التي تشجع على التبعية العمياء للمواقف الثابتة وتهاجم من يحاول تغيير نظرته للأمور. فالعقلانية تتطلب منا أن نكون مرنين في مواقفنا وأن نتقبل الحقائق الجديدة حتى لو كانت تتعارض مع ما كنا نؤمن به في السابق.
بوعشرين لم يكن خائنًا ولا “بايع الماتش”، بل كان نموذجًا للشخص الذي لا يخاف من التراجع عن موقفه عندما يدرك أنه كان مخطئًا. وفي هذا الصدد، يجب أن يكون قدوة للآخرين، لأنه في النهاية، الشجاعة الحقيقية ليست في التمسك بموقف خاطئ، بل في القدرة على الاعتراف بالخطأ وتبني الموقف الصحيح عندما تظهر الأدلة.