«مؤامرة الصمت»…

بقلم الأستاذ الصديق معنينو

مؤامرة الصمت

لم يخفَ الحسن الثاني استياءه من محيطه، حيث كان يعتبره “طوقًا” يتحكم في المعلومات والأخبار التي تصل إليه. وقد دان الملك ما وصفه بـ “مؤامرة الصمت”، داعيًا إلى ضرورة كسر هذا “الطوق” ووضع حد لتلك “المؤامرة”. وعادةً ما يعمل المحيطون بالقادة على إخفاء الحقائق، مع التركيز على الإيجابيات والتغاضي عن السلبيات. وهذا لا ينطبق فقط على قادة الدول، بل أيضًا على كبار المسؤولين بوجه عام، حيث يتم إنشاء “سياج سميك” يمنع الرؤية ويحول دون الوصول إلى المعلومات الصحيحة لمعالجة المشاكل.

الزلزال

من أبرز الأمثلة على ذلك في محيط الحسن الثاني ما أورده أحد مستشاريه البارزين، عبد الهادي بوطالب، في كتابه “نصف قرن من السياسة”. فقد ذكر بوطالب أن أوفقير كان يخطط لقلب النظام وإسقاط الحسن الثاني، وأن الأمر لم يكن مجرد فكرة بل كان مشروعًا مدروسًا. وأضاف بوطالب أن أوفقير أخبره بأمور كثيرة عن الملك، مما أثار استغرابه، وأصرّ أوفقير على أن يتراجع بوطالب عن استقالته، واتصل بالملك ليطلب منه الاستماع إلى بوطالب الذي كان يرغب في سحب استقالته. من ذلك اليوم، قال بوطالب إنه عاش في حالة من القلق والحذر دون أن يتحدث إلى أحد عن ما سمعه من أوفقير.

أم الوزارات

في الجزء الخامس من مذكراته بعنوان “خديم الملك”، تحدث بوطالب عن السنوات الأخيرة من حياة الحسن الثاني، وما كان يعانيه من أمراض، مما دفعه لتقليل نشاطاته ولقاءاته. هذه الوضعية أحدثت فراغًا استغله إدريس البصري وزير الداخلية لتوسيع نفوذه. فقد كان البصري يتلقى استقبالات ملكية متتالية دون غيره من المسؤولين، مما جعله الوسيط الرئيسي للحصول على توجيهات الملك في مختلف الملفات. في هذه الفترة، أصبحت وزارة الداخلية “أم الوزارات”، واستحوذت على ملفين رئيسيين: ملف الصحراء وملف الأمن، وبالتالي ارتبطت إدارتها بشخص الوزير.

سرعة التغيير

عندما أدرك الحسن الثاني حجم التأثيرات المحيطية التي كانت تعيق تطوره، سارع إلى اتخاذ عدة مبادرات لتقوية موقفه وإضعاف خصوم التغيير والانفتاح. تحدث في البرلمان عن “السكتة القلبية”، وسعى إلى تعديل الدستور وتنظيم انتخابات نزيهة وتكوين حكومة جديدة. في خضم هذه الإجراءات، أسس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بهدف تفكيك المنظومة المتآمرة، بعد أن شعر الملك بأن هناك العديد من الأخطاء التي تحتاج إلى معالجة.

سخ في جلبابه

في هذا السياق، أخبرني محمد ميكو، الأمين العام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قائلاً: “كان الحسن الثاني يستقبلني بانتظام، وقد حدث ذلك عدة مرات، وفي إحدى تلك اللقاءات حثني على تسريع دراسة الملفات، قائلاً: ‘جلبابي أبيض، وبياضه ناصع، لكن هناك وسخ، ومهمتك هي إزالته، وأنا أعتمد عليك’.” يثير هذا السؤال عن المقصود بالوسخ، ولماذا لم يكن الحسن الثاني قد انتبه له من قبل، ومن كان يحجب عنه الرؤية.