أشرف بولقموس يكتب :
تعرفت على الصراع هناك بالمشرق وانا طفل بالابتدائي، وأتذكر أنني أنجزت مجلة حائطية حول ” القضية الفلسطينية “، اعتمدت فيها على قصاصات الشرق الأوسط الجريدة الخضراء التي كان يحضرها الخال، و اعتمدت في كتابات التعليقات و بقية الفقرات على ما إلتقطته من القنوات الفضائية، التي كانت وقتها في بداياتها تغطي هذه الاحداث، و كغيري لربما من أبناء جيلي تأثرنا لقتل محمد الذرة، في مشهد لا يمكن لإنسان أن ينكر وحشيته، و كانت تلعب على عواطفنا تلك العبارات الرنانة ك” العدو الغاشم” ،و الكيان الغاصب ” ،و بنو صهيون و غيرها.
أتذكر ان الجميع صفق لعرضي ومجلتي الحائطية حول فلسطين، لأنها كانت عمل بحثي محترم وقتها بالنسبة لتلميذ بالابتدائي، خصوصا و انها لم تعتمد الانترنيت و تلك الأوراق المسلمة من صاحب السيبير ” دير ليا شي بحث على فلسطين “.
توالت الاحداث والحروب والنزاعات هناك بجنوب لبنان وسوريا وفلسطين، وتوالت السنوات والمفاوضات والنزاعات الداخلية و القمم العربية و التنديدات الأممية، و طبعا لا يمكن تقديم هذا التاريخ الكبير أو ما يسمى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في مقال رأي قصير، مع الكثير من التحفظ على المصطلحات.
لكن الثابت في هذا هو غياب الحلول، فوقتها قدمت لنا إجابة عن هذا الوضع مفادها أن غياب الحل يعود للتعنت الإسرائيلي، و طبعا الإجابة جعلتنا وفق فهمنا وقتها نكره إسرائيل .
منذ ذلك التاريخ لم تقدم مقترحات حلول لهذا النزاع، إلا تلك التي ظلت تكرر نفسها و هي مرفوضة من هذا الطرف أو ذاك، و لم تخرج عن إحتمالين، أصحاب ” فلسطين كل فلسطين” و عند سؤالهم عن كيف، سيجبونك بشعار أو فكرة المقاومة، و هذه الفكرة نبيلة جدا و فعالة، لكن في زمنها، زمن الحروب الكلاسيكية، و ليس في عصر الحروب التكنولوجية، و الوسائل الحربية الفائقة الذكاء .
و في الطرف الاخر و هو ليس بالحل أصلا، نجد سياسة الأرض المحروقة، و التي ” لن تحقق إسرائيل كل إسرائيل”، فلا يمكن اجتثاث الشعب الفلسطيني بالكامل.
وسط هذا الكم الهائل من الحمق والتعنت، لم نسمع رجلا غير عاطفي قدم لنا حلا منطقيا فعالا قابل للتطبيق، يراعي توازن القوى و المعطيات الا و تم اتهامه بالخيانة أو الجنون.
للأسف نحن شعوب نقتل من يقول لنا الحقيقة إما جسديا أو رمزيا ، يوم قال أنور السادات في واحدة من خطاباته ” لا يمكن الحديث عن خرافة رمي إسرائيل في البحر ” و بناء عليه قدم ما يمكن تقديمه وقتها و لم يفنذ غيره طرحه اتهم بالخيانة، و بعده لم نسمع عن حل غير تلك الخطابات الحماسية لصناعة البطولات الورقية، حتى قدم العقيد القدافي حل الدولة الواحدة ” اسراطين ”، و قدم تفاصيله في كلمته الشهيرة، و رغم انه حل ليس اكثر غباء مما كان يقدمه العالم بكل اطيافه، لكن تم تسفيهه و وصف القدافي بالمجنون.
و نحن اليوم نعيش هذه التطورات، و في كل مرة بعد تصاعد وثيرة العنف ينتهي المشهد بالإضافة للعدد المهول من القتلى و الجرحى و المعطوبين، بتقدم إسرائيلي ميداني و صراعات داخلية ” عربية ” كلامية فارغة، تهم بالاساس الرمزي و العاطفي، و من الأكثر نضالية وصولا لصور البروفيل.
يتزامن مع كل هذه المتغيرات استقرار واستمرار ثلاثة أمور
– التفوق العلمي والعسكري والاستراتيجي الإسرائيلي.
– القوة الاقتصادية لإسرائيل، و جزء من اقتصاديات الدول ” العربية ” مرتبط به .
– البؤس والتفاعل المبني على البهرجة الإعلامية، الذي قد نلخصه في مقولة الكاتب السعودي القسيمي ” العرب ظاهرة صوتية “.
مشكلة شعوب شمال افريقيا والشرق الأوسط في غالبيتها، أنها تحب حد الجنون الانتصارات الوهمية، عاشقة للخطابات الرنانة، وللمواجهات التي تمكنها من الانتصار الإعلامي، ويمكن بجولة بسيطة في النهايات التراجيدية لعدد من الأنظمة بالمنطقة التأكد من ذلك.
قبل نهاية نظام صدام بأسابيع كان الاعلام العراقي يروج للانتصارات، بعبارات زرعت الفرح في موريتانيا البعيدة عن الشرق الأوسط ، وكل هؤلاء بالمنطقة استمتعوا بعبارة “لعلوج ” لوزير صدام الصحاف حينها ، قبل ان ينهار جيش العراق، وفي مصر عبد الناصر انهزم في كل حروبه إلا الكلامية منها، و لم تكن بقية الدول التي تجتمع تحت كلمة ” العرب ” أفضل حالا.
القدافي لم يكن هو الاخر صاحب انتصارات في مجال اخر غير الحروب الكلامية، لكنه نطق بالجديد وقتها و قدم حلا غير مسبوق ( إسراطين ) .
بالعودة لقراءة كل ما سبق، وعندما يستعصي الحل وتغيب الأفكار، فالقاعدة الفقهية تقول ” دفع الضرر أولى من جلب المنفعة ”، فمن لم يتمكن من تقديم حلول ولا يقدم شيء، على الاقل فلا يبيع الوهم بدماء الأبرياء، هذا ان افترضنا حسن النوايا و لم ندرج فئة المتاجرين بهذا الصراع، او ممن اعتادوا ممارسات تناقض مواقفهم المعلنة و ممن تنطبق عليهم قولة ” يأكلون الغلة و يسبون الملة «.
فهذه الشعوب الافتراضية وأسطر بالأحمر على العبارة، لأنه لا وجود لها واقعيا الا من خلال ” المسيرات / الوقفات الاحتجاجية “، والتي لا تقل غباء عن الفعل الافتراضي في أهدافها، اقتبس هؤلاء أسوء ما في ” زعماء ” المنطقة، و هو إختراع الكلمات و الشعارات، فانتقلنا من لعلوج و الخنازير، ل ” الكوفية جهاز لكشف الصهاينة “، و لعل ازمة عقول هؤلاء تلخصها هذه العبارة، حيث تحويل قماش لجهاز و لا جديد في ذلك، فهم يجيدون التلاعب باللغة و المشاعر فقط، اما اللعبة الدولية و الحلول الممكنة اكبر منهم بكثير.
أمام هذه المعطيات، لا يمكن لنا كمغاربة الا تبني الموقف الرسمي للمملكة المغربية، المعبر عنه عبر خطابات جلالة الملك و مواقف الخارجية المغربية، التي تفاعلت مع هذه القضية بكثير من التوازن محافظة على مصالح الوطن وعلاقاته الدولية من جهة، وتجسيد المواقف الإنسانية للمملكة المغربية، التي كانت سمة تعبير المغرب عن مواقفه في كل النزاعات بالعالم من جهة ثانية، اللهم إن كان البعض يعشق الفنان المصري شعبان عبد الرحيم، و “تنغمه” اغنيته الشهيرة انا بكره إسرائيل.