نيوز بلوس / أشرف بولمقوس
يعد الحق في الاختلاف مقدس والحرية لا تنازل عنها، لكن تصميمهما على المقاس يجعلهما دون معنى، وفي نقاشهما تظهر عيوب أخرى للشعوب، فالإيمان بهما لا ينبغي ان يكون عاطفيا.
فتح رفض مسؤول جامعي تسليم جائزة لطالبة ترتدي قماش الكوفية الفلسطيني، نقاش حول احقية الطالبة في ذلك، وهل هو يندرج في حريتها ام لا؟ وهل رفض العميد هو الاخر يدخل في هذا الباب ام غيره؟
لتتناسل الآراء بين من مع و من يعارض وًمن يتهم، لكن الأمر ليس بهذه البساطة أي أن تنتمي لهذا التيار أو ذاك، لهذا الرأي أو الرأي الاخر، الأكبر من ذلك هو أسئلة أعمق، أجوبتها تتضح في تفاعلات الطرفين، و هي أسئلة الهوية والإنتماء للوطن قبل العرق والطائفة، وبالتالي فحادث الكوفية ما هو إلا مثال من امثلة عدة كشفت غابة النفاق و “التلفة ” و كشفت حقيقة ما يعانيه عدد كبير من المغاربة، استيلاب وتيه هوياتي يصل أحيانا حد تحقير الذات.
لا عيب في التفاعل الإنساني مع القضية الفلسطينية، بل واجب انساني تفرضه علينا إنسانيتنا قبل أي انتماء أيديولوجي أو عرقي أو ديني، لكن لماذا إنسانية هؤلاء تتخذ منطق القمر؟ تظهر وتختفي حسب الموقع و الجغرافيا و العرق!.
لماذا لم نرى كل هذا الانفعال ضد منع العلم الأمازيغي بملاعب قطر؟ أو عندما قام فنان فلسطيني برمي العلم المغربي أرضا؟… لماذا لا نرى هذا التعاطف الجارف والإندفاع العاطفي، الذي يصل حد سحب الوطنية والتخوين والإتهامات بالتصهين و الاسترزاق ؟، لماذا لم نشاهده في حالة أطفال السودان ومالي والنيجر والصومال وغيرها؟ لماذا لم يتحدث أحد عن غياب اللغة الرسمية بموجب الدستور عن الحفل ( في كتابة الاسماء و الدبلومات ) ؟ بل حتى في قضيتنا الأولى الصحراء المغربية لم نشاهد هذا الحماس!.
طبعا ستجد عديد التبريرات، منها تلك الشعارات الرنانة التي لا يعرف مردديها معناها حتى في سياقها، ك ” فلسطين البوصلة” و ” فلسطين عربية” و ” انا دمي فلسطيني ” .
وطبعا كل رفض لمنحى تحرك الموجة العاطفية في التفاعل مع قضايا المشرق جوابه الاتهامات المتعددة والمتنوعة، والتي يبدع هؤلاء في اختراع مصطلحات رنانة للتعبير عنها، ” الصهيونية ” ” الانبطاح” …. من سمعها و تابع ضجيجهم الافتراضي و الالكتروني، قد يعتقد أن هؤلاء يقاتلون يوميا بالسلاح، أو أنهم يقدمون شيئا فعليا لتغيير الوضع هناك بالمشرق، أو أن أصولهم من هناك و المغرب بلد لجوء.
إن حقنا في الاختلاف أقدس القضايا، والمسؤول الجامعي من حقه أن يكون له رأي اخر، فمن قال أن الرجل يؤمن بحياد الجامعة سياسيا ومؤمن بفكرة الجامعة للتحصيل العلمي فقط، أ لا يعتبر هذا رأي علمي و ليس سياسي أصلا؟ هل رفضه لذلك يعني أنه صهيوني؟ ليتخصص البعض في شتمه والتشهير به بل والتحريض عليه.
هل مثلا رفض الرموز الدينية داخل الجامعة، يعني بالضرورة أن صاحب هذا الرأي ملحد؟ طبعا لا، قد يكون من باب احترام حرمة العلم والجامعة.
لماذا كثيرون صنفوا الرجل وطعنوا في كفاءته، واتهموه بالتملق والتسلق والانتهازية؟ وهو الأمر الذي يصعب تصديقه، لأن الرجل في نهاية مساره وقريب من التقاعد ولا أعتقده ساذج لهذا الحد.
مشكلتنا نحن في شمال افريقيا أننا شعوب عاطفية جدا، ونعشق البطولات الورقية ونمركز أنفسنا بالمشرق، وهذا نتاج العمل الذي استمر لسنوات عبر محور العروبة والإسلام، لطمس هويتنا وقضايانا الحقيقية، مقابل تقديس ومنح الأولوية لقضايا تعنينا إنسانيا فقط.
بل جعل عدد من المغاربة ينبطحون لكل ما هو مشرقي، ويقدسون كل ما يرتدي زي العرب، بل يمارسون كل أشكال العنف ضد من لم يساير عواطفهم وأوهامهم.
و لأنهم بذاكرة سمكة نسي معظمهم و يخفي بعضهم ما يقوم به الفلسطينيون ضد وحدتنا الترابية، من مواقف تتسم بالنذالة و الجبن، استقبال لوفود أعداء الوحدة الترابية و المشاركة في مؤتمراتهم و حمل اعلامهم و غيرها، دون أن ننسى ما تفوه به عدد من أهل المشرق ضدنا عقب مناسبات رياضية، كتلك الحملة الإلكترونية التي حملت عنوان ” أنتم لستم عرب ” و كان غرضها تحقيري لنا كشمال إفريقيين و امازيغ، و كانوا يعتقدون بذلك من شدة جهلهم بحضارتنا و تاريخناو ثقافتنا أنهم يسبوننا او ينزعون عنا شرفا، و الحقيقة انهم شرفونا بنزع انتماء عرقي عنا، فنحن أمازيغ بحكم الثقافة لا العرق أو اللغة، لأننا لسنا شوفينين، و نحن مغاربة بكل مكوناتنا، لمن أراد أن يكون رافدا من روافد هذا البلد لا طامسا لهويتنا الاصلية و تنوع مغربنا، فكما يقال ” كل من دخل مغربنا تمغرب” و ” كل من دخل مغربنا تمزغ”، لهم كوفيتهم و لنا الرزة و الطربوش الفاسي ” فأولوياتنا قضايا الوطن، و باقي القضايا هي قضايا إنسانية، و لن تكون أبدا وطنية، وبالتالي ما يلزمنا فيها هو ما يلزم بقية العالم، وفقا لمصالحنا الوطنية و سياقنا و امكانياتنا .