دفء الكلام ….

أعترف أن قراءتي لكتاب “أفق الرؤيا مقاربات في النص الإبداعي، للراحل ادريس الزمراني (أحد أعلام المدينة الإسماعيلية مكناس،إعلامي وناقد حيث نشطت كتاباته ما بين الستينات والسبعينات) ، قد أغرقتني في لحظات أصيلة عانقت من خلالها الغنى الذي يطل به علينا الخزان الفكري والمعرفي للوسط الثقافي والتفاعلي لبعض من  مبدعينا .

والمؤلف النقدي « أفق الرؤيا ...مقاربات في النص والإبداع ” قد أضاف الشيء الكثير لي وأنا بين أحضانه إذ يصوغ تيماته في انسجام عميق ويلمس الروح واليسر في الترحال بين فكرة وأخرى.

نعم الترحال الدافئ الذي يغرد في اكتمال الصورة معنى، حيث أشار إلى أن الكاتب يجوع من أجل أن تكبر كلماته  تحت الشمس وتناضل  في زمن التخمة الصارخة عبر الامتدادات ووميضا يكنس ما في الأعماق من عفونة وعتو ومكابرة، ويعرج إلى أن كل قصيدة لا تقتل شاعرها وتصيره قربانا هي قصيدة مثقوبة تمضغ اللغة الصفراء جسدها وترميه بين عمود الخيمة وأوتادها ،ويسترسل ومن خلال قناعاته الكاملة أن الكاتب أو المبدع ليس شهادة جامعية في حوزته  ولا مكانة اجتماعية مضيئة وإنما قدرة أصيلة على التأثيروالـتأثر فيما يدور من حوله عن طريق ما يدبجه كتابة ويبدعه فنا رصينا بالغا وبليغا.

ومن دهشة النص إلى غربة السؤال ، حيث لغة الإبداع هي عري للعالم بحسب ادريس الزمراني ولغة البداعة تعري نفسها ، الأولى  تدهش وترعب  والثانية تهش وتداهن ، وهذا هو الفرق بين من يقول ومن يدعي ، وبين من يتحدث باللغة وبين من يحدث اللغة وبين من يعذبها ويتعذب بها  ، و بين ما يعري ويدهش وبين من يحفر وينبش .

ويؤكد ادريس الزمزامي أن النص ينطلق من ذات مقهورة ومفجوعة ومعزولة عن إقامة علاقات توازن مع محيطها ، فإن رؤيته للعالم تأتي محدودة ومختزلة وساكنة ، مما يجعل اللغة تستعصي ويدفع بالشحنة النفسية إلى الارتطام بالنص من خارجه فيعلو الضجيج عوض أن ينساب الإبداع وهذا ما يسمى بنص الضجيج بحسب الكاتب.

ويسترسل المؤلف بقوله أن ثقافة الرداءة ليست إلا إفرازا طبيعيا لتلوث الدواخل وانشدادها إلى الحضيض وسقوطها في النمطية ومن ثمة ليست الأعمال المقدمة في هذا الإطار إلا انعكاسا صادقا لما يختلج في الدواخل ، وما يموج في الأفئدة.

لعل الكاتب عبر مؤلفه أفق الرؤيا، قد حاول أن يبعث برسائل تثير نوعا من التساؤلات الساخنة على خط الكتابة الإبداعية لا سيما وأن ما يضمر فينا قد يدوم وقد لا يدوم  إلا أنه يترهل إن امتنع عن التجاذبات والسجالات.

ومقاربات في النص الإبداعي هو دعوة للسمو في الكتابة الإبداعية والاهتمام بقضايا المثقف من عبرمختلف المقالات النقدية والأدبية التي نشرها في المجلات والصحف العربية والمغربية، مما يؤكد إرادته القوية والدائمة في إغناء الذوق العربي عموما، تغمده الله برحمته فقد توفي سنة 2006 لقد كان علما في الصحافة والنقد .

بقلـــــــــم :

ذة.بنضهر مليكة

شاعرة وإعلامية