إن جل المبادئ التي تحكم الأنظمة السياسية الكبرى تنبني على مبدأ التوازي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, لكن الممارسة القانونية و العملية أثبتت من خلال النص و التفعيل أنها تهدف بالأساس إلى إضعاف سلطة البرلمان و الحد من تدخلاته و الذي أضحى ما يسمى بالعقلنة البرلمانية أمام هيمنة الحكومة على التشريع المالي و منه فهذه العقلنة وضعت عدة قيود على تدخل البرلمان في التشريع المالي بحيث ضلت هذه القيود هاجسا يهدده طيلة اعتماد قانون المالية بدءا بالمناقشة مرورا بالمصادقة و وقوفا بالتنفيذ و هذا ما كرسه دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية و كذا القانون التنظيمي للمالية سنة 1958 إلا أن تمت القطيعة مع هذه العقلنة البرلمانية إلى حد ما في ظل الإصلاح الذي جاء به القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية لفاتح غشت 2001 و إعادة الاعتبار إلى سلطات البرلمان في اتخاذ القرار ، وإعادة الاعتبار إلى وظيفته الرقابية و من هذا المنطلق فقد سلك المشرع المغربي نفس مسلك المشرع الفرنسي في هذا المجال من خلال دستور 2011 و كذا القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13.
و يعتبر قانون المالية الإطار العام للسياسة الاقتصادية و الاجتماعية الذي من خلاله تتمكن الحكومة من تنفيذ برامجها في مدة محددة و هي السنة، و هو كذلك إطار تفصيلي للموارد و الاعتمادات المالية المرصودة خلال هذه الفترة، فالأهداف التي يتضمنها هذا القانون تكون دائما بمثابة المؤشر الحقيقي على التوجهات الفعلية للحكومة، و لأهمية هذا القانون كان من الضروري إحاطته بجميع الضمانات حتى تكون في مستوى الأهداف المنتظرة منه، و ذلك في جميع مراحل إعداده و تحضيره حتى المصادقة عليه، فقانون المالية هو ذلك القانون الذي يحدد العلاقة بين الموارد العامة و النفقات العامة و تأثيرها على الشأن العام.
و تجدر الإشارة إلى أن المجال المالي لا يقتصر فقط على قانون المالية لكن في هذا العرض سيتم الاكتفاء فقط بقانون المالية مع ذكر بعض الصلاحيات الأخرى الخاصة بالبرلمان في هذا المجال و كذا سيتم الحديث عن صاحب الاختصاص الأصيل و المهيمن في هذا المجال أي التشريع المالي و نقصد هنا الحكومة ، كما أنه من الضروري الإشارة إلى دور القضاء الدستوري في المجال المالي و نقتصر هنا على دوره في قوانين المالية وذلك باستعراض بعض القرارات الصادرة عنه.
و انطلاقا من هذا سيتم طرح الإشكالية التالية :
إلى أي حد تهيمن الحكومة على التشريع المالي و ماهي أوجه محدودية البرلمان في هذا التشريع ودور القاضي الدستوري في قانون المالية.
للإجابة عن هذا الإشكالية سيتم اعتماد التصميم التالي في المطلب الأول هيمنة الحكومة على التشريع المالي و في المطلب الثاني محدودية البرلمان في التشريع المالي و في المطلب الثالث سنتطرق إلى دور القاضي الدستوري في قوانين المالية.
المطلب الأول :هيمنة الحكومة على التشريع المالي
إذا كان البرلمان هو الذي يعود إليه أمر التصويت على التشريع المالي فإن ذلك لا يمنع من أن يكون هذا النوع التشريع من أكثر المجالات التي تأمر فيها حدود تحكم البرلمان في الإنتاج التشريعي.
فعلاوة على أن مشروع القانون المالي يعد اختصاصا حكوميا من ناحية إعداد وتحضيره حيث لا يمكن تصور وجود مبادرة برلمانية في هذا المجال فإن تدخل البرلمان فيه يظل محكوما بقيدين أساسيين :
الأول: يتعلق بما يسميه الدستور توازن مالية الدولة حيث الفصل 77 منه وضعه على عاتق الحكومة و البرلمان على حد سواء بضرورة السهر على هذا التوازن و هذه المسألة تحيل على تلك القاعدة الذهبية المتعلقة بالتحكم في العجز المالي المطبقة في عدد من البلدان الأوربية.
أما الثاني فيهم ما يتيحه الفصل 77 نفسه من إمكانية للحكومة في رفض المقترحات و التعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية أو إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود و المثير للانتباه هو أن هذا الفصل. ورغم الجدال الكبير الذي كان يثيره من طرف المعارضة التي كانت تعتبره سيفا مسلطا على الحق المكفول للبرلمان في الاقتراح والتعديل ورغم أنه كان يستعمل في بعض الحالات بطريقة تعسفية فقد استمر في الوثيقة الدستورية الجديدة بنفس الصياغة اللهم تعديلا بسيطا يفرض على الحكومة “بيان الأسباب” للدفع بمقتضيات هذا الرفض.
الأكثر من ذلك فإن مصادقة البرلمان على مشروع قانون المالية و اعتماده بصفة نهائية لا يمنع من إمكانية تدخل الحكومة من جديد لإعادة النظر فيها سبق للبرلمان أن قرره و في هذا الإطار تطرح الإمكانية التي يخولها القانون التنظيمي في مادته 45 للحكومة قصد التدخل بمرسوم أثناء السنة المالية من أجل وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار وإذا استلزمت ذلك الظروف الاقتصادية و المالية و لا يشترط في ذلك الا إخبار اللجنة البرلمانية المعينة .
بالإضافة إلى هذا هناك إمكانية أخرى خولها الدستور للحكومة انطلاقا من الفصل 75 في فقرته الثالثة هو إمكانية الحكومة في فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية و القيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة و ذلك في مرسوم وهدا عندما لا يتم التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بالتنفيذ في نهاية السنة المالية.
و قبل أن نختم الحديث حول هذا الجانب المتعلق بتحكم الجهاز التنفيذي في مجال التشريع المالي أي الحكومة يجب الإشارة إلى الوثيقة الدستورية تحتوي على مقتضيات أخرى تصب في نفس الاتجاه و ذلك في الفقرة الثانية من الفصل 75 من أن تصويت البرلمان على نفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية و البرامج متعددة السنوات يتم مرة واحدة و ذلك عندما يوافق عليه إذ لا يحق له بعد ذلك أي طيلة مدة هذه المخططات و البرنامج تقديم مقترحات ترمي إلى تعديل ما سبق موافقة عليه فهذه الصلاحية مخولة للحكومة فقط.
المطلب الثاني: محدودية البرلمان في المجال المالي
و للتذكير فإن الحكومة تنفرد بصياغة مشروع القانون المالي و يبقى للبرلمان صلاحية تقديم التعديلات و التصويت عليه، مما يجعل من البرلمان مجرد غرفة للتسجيل مقيد الصلاحيات في المجال المالي، علما أن نجاعة تدبير السياسات العمومية يتطلب الشفافية و تعزيز دور البرلمان في المجال المالي، و نجد أن المشرع المغربي سلك مسلك النموذج الفرنسي من حيث إجراءات إعداد الميزانية ومناقشة قانون المالية و المصادقة عليه، أما بالنسبة لآجال الإيداع فقد حددها القانون التنظيمي 130.13 في مادته 49 و هذا ما أكدته المادة 208 من القانون الداخلي لمجلس النواب و ذلك في آجال 20 أكتوبر من السنة المالية الجارية بحيث جاء في المادة 210 من القانون الداخلى لمجلس النواب أن رئيسه يخبر رئيس مجلس المستشارين بإيداع مشروع قانون المالية لدى مكتب المجلس و يحال مباشرة إلى لجنة المالية و التنمية الاقتصادية لمجلس النواب قصد دراسته تطبيقا لأحكام المادة 48 من القانون التنظيمي المذكور و بعد مناقشته داخل اللجان الدائمة يتم مناقشته في الجلسة العامة طبقا للفصلين 75 و 77 من الدستور و كذا المادة 218 من القانون الداخلي لمجلس النواب تم يحال على مجلي المستشارين قصد الدراسة و التصويت و هذا ما جاء في مدلول المادة 215 من القانون الداخلي لمجلس المستشارين
وتجدر الإشارة أن المدة المحددة لمناقشة قانون المالية هي 58 يوم مقسمة على المجلسين 30 منها لمجلس النواب و 22 يوم بالنسبة لمجلس المستشارين و يعاد إلى الغرفة الأولى من أجل القراءة الثانية لمدة 6 أيام.
وفي حالة عدم التصويت على قانون المالية و المصادقة عليه في الوقت المحدد يلجأ رئيس الحكومة لفتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية تطبيقا للفصل 75 من الدستور كما سبق الإشارة إلى هذه الصلاحية الممنوحة للحكومة في المطلب الأول و هي تظهر لنا حدود البرلمان في قانون المالية من خلال لجوء الحكومة إلى هذا المقتضى في حالة عدم الموافقة على قانون المالية في الوقت المحدد مما يجعلنا أمام تضييق في المدة المحددة لمناقشة و دراسة هذا الأخير داخل للجان المكلفة في المجلسين.
كما أن هناك قيود على المبادرة البرلمانية في قانون المالية و كذا في جوانب أخرى تعنى بالمجال المالي و هي كالتالي:
1- القيود الواردة على المبادرة البرلمانية في قانون المالية السنوي.
بالنسبة للمبادرة البرلمانية في مشروع قانون المالية للسنة فإنه لا يقبل التعديلات المتعلقة بالقوانين الخاصة بعضو و لا التعديلات المقدمة من أعضاء البرلمان إذا ترتب على تشريعها إما تخفيض الموارد العامة أو نشوء و زيادة للنفقات العمومية و ذلك تطبيقا لمقتضيات الفصل 77 دستور المملكة و منه فإن المشرع المغربي سلك مسلك المشرع الفرنسي في مسألة المبادرة كما جاء في المادة 40 من دستور الجمهورية الخامسة المعدل سنة 2008.
2- المخططات التنموية الإستراتيجية و البرمجة متعددة السنوات.
بالنسبة لمحدودية البرلمان في مجال المصادقة على نفقات التجهيز المتعلقة بالمخططات التنموية و البرمجة متعددة السنوات تكون مرة واحدة ولا يقبل أي تعديل بعد الموافقة الأولى و هذا في حد ذاته قيد على المبادرة البرلمانية في التشريع المالي ورغم التضييق على صلاحيات البرلمان في الشق المتعلق بموافقة الجهاز التنفيدي على التعديلات التي يقترحها أعضاء البرلمان فيما يتعلق بقانون المالية و كدا عدم منحهم صلاحية التعديل في ما يخص نفقات التجهيز المتعلقة بالمخططات التنموية الإستراتيجية والبرمجة متعددة السنواتإلا أنه يتمتع بصلاحيات واسعة تدخل في المجال المالي والمتمثلة في ضرورة موافقته على المعاهدات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 55 و التي من بينها المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة رغم أن الاختصاصالأصيل في هذه المسألة يبقى من نصيب رئيس الدولة أي الملك.
المطلب الثالث: دور القاضي الدستوري في قانون المالية .
يشكل الدستور أسمى وثيقة وأعلى قانون في الدولة ينظم سير السلطات العامة ويضمن الحقوق والحريات العامة للأفراد، وعلى هذا الأساس يجب على كل القوانين التي يَصَادق عليها من طرف المؤسسة التشريعية أن تكون مطابقة للدستور وغير متعارضة معه إعمالا بمبدأ تراتبية القواعد القانونية كما أكدت على ذلك الفقرة الثالثة من الفصل السادس من الدستور.
ولقد حرص القضاء الدستوري المغربي في العديد من قراراته على الانتصار لسمو الدستور عن غيره من القوانين، نذكر منها قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 16 نونبر 2011 الذي جاء فيه:
“…إن الدستور …له السمو على كل ماعداه، ويتعين على جميع المواطنات والمواطنين احترامه “.
وباعتبار قانون المالية السنوي الوثيقة التي يتم من خلالها الإقرار للسلطة التنفيذية الاعتمادات اللازمة لتنفيذ السياسة الحكومية، وما يتميز به هذا القانون من خصوصية جعلته في العديد من المحطات موضوع نقاش زاخم داخل ثنايا المؤسسة التشريعية نتيجة إشكالات دستورية ارتبطت في مجملها بالمساس بصدقية الموارد والتكاليف التي تقدرها الحكومة في قانون المالية، أو بإدراج مقتضيات تخرج عن أحكام قانون المالية فيما عرف فقهيا “بالفرسان الموازناتية “، كل هذه الأمور دفعت إلى توجه المعارضة البرلمانية إلى إحالة مشاريع قوانين المالية السنوية على أنظار القضاء الدستوري في العديد من المناسبات المرتبطة بمناقشة هذا القانون والمصادقة عليه من طرف نواب الأمة، الأكثر من ذلك نجد على انه في بعض الدول أصبحت إحالة مشاريع قوانين المالية السنوية على أنظار القضاء الدستوري عرفا تواترت على ممارسته المعارضة البرلمانية.
1- طرق إحالة قوانين المالية السنوية للمحكمة الدستورية.
طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور و المادة 23 من القانون المنظم للمحكمة الدستورية تحال القوانين العادية بصفة اختيارية إلى المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذهاوتكون هذه الإحالة عبر عدة طرق، إما برسالة من الملك أو من رئيس الحكومة او رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو برسالة أو عدة رسائل تتضمن في مجموعها إمضاءات عدد من أعضاء مجلس النواب لا يقل عن خمس الأعضاء الذين يتألف منهم أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، وتبث المحكمة الدستورية في هذه الإحالة في أجل شهر من تاريخ الإحالة غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام بطلب من الحكومة
وباستجلاء ما سبق ذكره نجد على أن كلا من الدستور والقانون المنظم للمحكمة الدستورية تطرقا إلى طرق إحالة القوانين العادية إلى المحكمة الدستورية دون الإشارة لطرق إحالة القوانين المالية السنوية، وذلك كون أن القانون المالي السنوي تتم إحالته وفق نفس الطرق المعمول بها في إحالة القوانين العادية
فبغض النظر عن الخصوصيات التي يتميز بها القانون المالي السنوي سواء من حيث مدة نفاذه التي لا تفوق السنة أو من حيث طريقة التحضير والمناقشة والتصويت عليه التي تخضع لضوابط وآجال محددة في قانون تنظيمي وذلك لما لهذا القانون من ارتباط بسير المرافق العامة، فإن القانون المالي السنوي في عموميته يتخذ شكل قانون عادي حيث يمر من نفس مسطرة التشريع التي يخضع لها القانون العادي والمتمثلة في التحضير ثم المناقشة والمصادقة من طرف البرلمان وصدور الأمر الملكي بتنفيذه ليتم إخراجه إلى حيز الوجود عن طريق نشره في الجريدة الرسمية
2- نماذج عن طرق إحالة قوانين المالية السنوية إلى المحكمة الدستورية .
على الرغم من أن تجربة المغرب لازالت متواضعة فيما يخص إحالة قوانين المالية السنوية إلى القضاء الدستوري، إلى أنه تم في العديد من المناسبات المرتبطة بمناقشة مشروع قانون المالية السنوي داخل المؤسسة التشريعية إحالته على أنظار القضاء الدستوري،و نذكر في هذا الصدد القانون المالي السنوي لسنة 2013
ومنه فبعد مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2013 والمصادقة عليه من طرف نواب الأمة وصدور الأمر الملكي بتنفيذه بتاريخ 28 ديسمبر 2012 تمت إحالته على أنظار المجلس الدستوري للطعن في بعض مقتضياته بدعوى أنها مخالفة للدستور، وقد كانت طريقة الإحالة هنا بناءا على رسالة موقعة من طرف 107 نائب من الغرفة الأولى للبرلمان تمت إحالتها إلى المجلس الدستوري بتاريخ 31 ديسمبر 2012 .
بالرجوع إلى المادة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب نجدها تنص على أن هذا الأخير يتألف من 395 عضو بذلك فخمس مجموع أعضاء مجلس النواب هو 79 عضو وهو النصاب القانوني اللازم لإحالة رسالة الطعن بشأن مقتضيات قانون المالية السنوي إلى القضاء الدستوري وهذا ما استوفته رسالة الإحالة بشأن قانون المالية لسنة 2013 التي حملت توقيع 107 نائب .
بالرغم من أن طريقة الإحالة تمت كما هو محدد في الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور إلى أن المجلس الدستوري في قراره رقم 13/912 بشأن النظر في عدم دستورية بعض مقتضيات قانون المالية لسنة 2013 أقر في منطوق قراره بعدم قبول رسالة الإحالة كون أنها وجهت إليه بتاريخ 31 ديسمبر 2012 في حين أن الأمر الملكي بتنفيذ قانون المالية لسنة 2013 صدر في 28 ديسمبر 2012، مما يجعل تعطيل مقتضى قانوني اكتسب وجوده القانوني ابتدءا من صدور الأمر الملكي بتنفيذه طبقا للفصل 50 من الدستور .
بذلك فإن إحالة قوانين المالية السنوية على أنظار القضاء الدستوري مرتبطة بآجال محددة، فهي إحالة قبلية عن صدور القانون ولا تتم إلا أثناء فترة المناقشة والمصادقة على المشروع المالي وقبل صدور الأمر الملكي بتنفيذه واكتسابه لوجوده القانوني
ما يمكن تسجيله هو أن الرقابة على دستورية قوانين المالية السنوية أصبحت تلعب دورا مهما في إثارة إشكالات دستورية لا تنحصر فقط في المواضيع المتعلقة بالمالية العمومية بل تذهب إلى أبعد من ذلك بحيث قد تثير دفوعات مرتبطة بالمساس بحقوق ومبادئ دستورية .
فبعدما كانت رقابة الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى تقتصر فقط على القوانين التنظيمية بما فيها القوانين التنظيمية للمالية العمومية، شملت رقابة المجلس الدستوري ومن بعده الآن المحكمة الدستورية القوانين العادية التي تدخل في جملتها قوانين المالية السنوية مما أدى إلى توسيع مكونات الكتلة الدستورية للمالية العمومية، إلى أنه بخلاف دول أخرى كفرنسا مثلا فإن إحالة قوانين المالية السنوية على أنظار القضاء الدستوري لازالت محتشمة في المغرب فلحدود الآن سجل فقط إحالة خمس قوانين مالية سنوية إلى جانب أنه بالرغم من توسيع طرق الإحالة وتوسيع ذوي الصفة الذين يمكنهم إحالة قوانين المالية السنوية إلى القضاء الدستوري فإن كل الإحالات الدستورية فيما يخص قوانين المالية السنوية تمت من طرف أعضاء الغرفة الأولى بالبرلمان.
خاتمة
من خلال كل هذا فإن المجال المالي أو إن صح التعبير التشريع المالي و بالخصوص قوانين المالية تخضع لهيمنة الحكومة بحيث يبقى دور البرلمان المصادقة فقط و بالتالي فهو في هذه الحالة يعتبر بمثابة غرفة لتسجيل فقط كما أن البرلمان مقيد بعدة قيود تحت مسمى العقلنة البرلمانية بوضع حدود لسلطته في هذا المجال وكذا وضع حدود للمبادرة البرلمانية داخله وهذا يظهر من خلال التعديل بحيث يتجاوز من طرف الحكومة عن طريق رفضه
عموما يمكن القول أن العقلنة المالية هي أشمل من العقلنة البرلمانية بحيث أنها تمتد إلى التنفيذ و هذا يظهر من خلال التدبير الجديد للميزانية بحيث أصبح يعتمد ما يسمى بالانتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية النتائج لكن في هذا الموضوع اكتفينا بدراسة هذه العقلنة في حدود مرحلة الإعداد و المناقشة و التصويت و لنا دراسة من هذا القبيل التي تهم هذه العقلنة في مرحلة تنفيذ قانون المالية و التي سيتم نشرها فيما بعد.