نيوز بلوس-متابعة
تم رسميا اختيار المغرب عبر فريق بحثي يضم أساتذة باحثون وطلبة دكاترة ينحدرون من أربع جامعات مغربية في البرنامج العلمي الكبير لإنشاء أضخم كاشف نوترينو من نوعه في الكوكب ضمن تعاون دولي يضم 20 دولة رائدة في البحوث حول الجزئيات عبر العالم.
ويعتبر المغرب الممثل الوحيد لبلدان القارة الإفريقية وبلدان جامعة الدول العربية ضمن المشروع المسمى Hyper Kamiokande (هايبر كاميوكاندي)، عن طريق باحثين يمثلون كل من جامعة ابن طفيل-القنيطرة، جامعة محمد الخامس بالرباط- جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وجامعة محمد السادس ببنكرير.
وبعتبر هذا الإنجاز الأول والأضخم من نوعه، ثمرة مجهود تنسيق وطني يضم العشرات من الباحثين في فيزياء الجزيئات عبر مختلف مراكز البحث الوطنية، وقع الاختيار عليهم بناءا على مشروع قوي ومتكامل ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية والطموحة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في مجالات البحث العلمي والطاقات المتجددة، ويقدم ثمرة مجهدات الباحثين المغاربة الرائدين. مما يؤكد علو بلادنا قاريا في هذا المجال، مجال الطاقات العليا التجريبي، بعد أن كان أول بلد أفريقي ينضم لمشروع أطلس المهم سنة 1996 ومشروعات أخرى لاحقا.
ويقود البروفيسور الباحث محمد الكويغري من جامعة ابن طفيل هذا التنسيق الوطني، وهو أيضا العضو الوطني الوحيد في إحدى لجان المشروع، ألا و هي لجنة التوجيه و الموراد. في حين يقوم على رأس كل جامعة منسق محلي يسهر على سير جميع الإسهامات في الإطار المخصص لها، حيث يمثل البروفيسور رشيد أهل العمارة جامعة محمد الخامس، والبروفيسور دريس بنشقرون جامعة الحسن الثاني، و البروفيسور أحمد رتاني جامعة محمد السادس متعددة التخصصات.
من المقرر أن يساهم المغرب في إنشاء و تطوير المشروع عبر طريقين أساسيين و متنوعين، الأول مرتبط بمهمة معايرة الكاشف عن طريق استعمال جهاز نووي (مولد نوترونات دوتيريوم-تريسيوم) سيتم إيلاجه في قلب الكاشف فور الانتهاء من تركيبه لأخذ بيانات حيوية لمعايرة طاقة الكاشف في مختلف المواضع والأعماق,. و في الإطار نفسه يرتقب أن يقوم الباحثون المغاربة بتعاون مع باحثين أمريكيين بتصميم و تصنيع نظام أتوماتيكي للإيلاج يتم التحكم به عبر حاسوب يستوفي ثلة من الشروط الدقيقة و الشديدة الحساسية.
أما عن المساهمة المرتقبة الثانية فهي مقترنة بتعزيز شبكة الحوسبة التي ستستعمل لتخزين و معالجة البيانات المأخوذة من الكاشف كما تلك الناتجة عن المحاكاة، و في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المغرب يتزعم القارة الإفريقية، حيث أن أقوى و أسرع حاسوب فائق في القارة هو حاسوب توبقال المسير من قبل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات, سيتم استعماله في هذا البحث الكبير.
ويعتبر مشروع هايبر كاميوكاندي مشروع رائد عالميا، وانضمام المغرب إليه سيفيد بنقل التكنولوجيا الحديثة إلى بلادنا، خاصة النووية منها، وسيضمن تأطير عالي الكفاءة و من أعلى مستوى لباحثيه تحديدا الطلبة الدكاترة، أساتذة جامعات الغد، وسيعزز ويثبت من ريادة بلادنا القارية في المجال، رغم محدودية الموارد، حيث يبقى التميز في الثقة المطلقة في عقول الباحثين، والرؤية المستقبلية و الاستشرافية بعيدة المدى.
لمحة عن الكاشف:
Hyper Kamiokande أو إختصارا Hyper-k هو كاشف نوترينو من الجيل الجديد سيصبح الأضخم في العالم فور إكتمال تشييده سنة 2027، و هو إمتداد (و إن كان قائما مستقلا بذاته تنظيميا) لسلفيه Kamiokande و Super Kamiokande اللذان أحدثا ثورة في مجال الفيزياء عن طريق المساهمة في اكتشاف أول نوترينو أستروفيزيائي و كذا ظاهرة “تذبذب النوترينو”. الإكتشافين الثوريين اللذين تُوِّجا بجائزتي نوبل للفزياء سنتي 2002 و 2015 تواليا، مبرزين أهمية قطاع فيزياء النوترينو في الإجابة على الأسئلة الأكثر عمقا حول أصل المادة في الكون و طبيعة تطورها عبر الزمن.
الكاشف الأسطواني الشكل يتم إنشاؤه حاليا في ميناء كاميوكا في عمق 650 مترا تحت جبال أوكوهيدا اليابانية التي تشكل درعا لحمايته من الإشعاعات الكونية التي تعتبر تشويشا غير مرغوب فيه. بطول يبلغ 71 مترا و قطر يقدر ب 68 مترا سيحتوي الكاشف على كمية قياسية من الماء شديد النقاء بحجم 260 مليون لتر ليكون أكبر خزان مياه تحت أرضي تم إنشاؤه في التاريخ. على الأسطح الداخلية و الخارجية للخزان سيتم تثبيت وحدات بصرية لإلتقاط الضوء المنبعث من الجسميات فائقة السرعة التي تمر عبر الكاشف الغائص في الظلمة الحالكة، حيث سيحتوي على قرابة 40 ألف وحدة من هاته “الأعين” الأحدث على الإطلاق.
الهدف من المشروع، أصل المادة في الكون و مصيرها:
يهدف مشروع هايبر-كي إلى دراسة طبيعة و خصائص أحد الجسيمات التي تمثل لبنة من اللبنات التي تشكل بها الكون، هذا الجسيم الملقب بالجسيم الشبح هو النوترينو، و هو ثاني أكثر الجسيمات وفرة في الكون بعد جسيم الضوء، حيث ان قرابة 60 مليار نوترينو صادر عن الشمس فقط تمر عبر ظفر إبهامك في كل ثانية! لكن رغم الوفرة الرهيبة لهذا الجسيم، إلا أنه ضعيف التفاعل لدرجة شديدة (ما يفسر تلقيبه بالجسيم الشبح)، ما يستوجب تشييد كواشف ضخمة ضخامة هايبر كاميوكاندي للتعامل معه.
يطمح الباحثون القائمون على المشروع إلى التوصل لإجابات عن أسئلة جذرية ترتبط بأصل المادة و مصير الكون إنطلاقا من تحليل بيانات الكاشف المرتبطة من جهة أساسية بالنترينوهات بشتى أنواعها (الشمسية، الجوية، الكونية، و المصنعة بشريا) لكن أيضا عبر بيانات أخرى مرتبطة بانشطار البروتون و تحديد حد أدنى لنصف عمره.