نيوز بلوس
الشفوية وسيط لا يموت
وجهة نظر في حالة الموسيقى الأندلسية المغربية-الآلة
سفيان اكديرة
باحث في أدب وفنون الغرب الإسلامي
يحتل مفهوم الذاكرة في موسيقى الآلة مكانة مركزية ما دامت هذه الموسيقى تراثا شفويا يقوم على الحفظ والتذكر وعدم النسيان وهذا ما جعلها تراثا حيّا دائما ما يتقدم في مراقي الزمن. ولا يمكن أن نعدم استفادة الآلة الأندلسية من الوسيط الكتابي، لكن في إطار محدود يروم التوثيق لما ثوى في ذاكرة الحُفَّاظ في عصورٍمتفرقة كانت الذاكرة فيها مهددةً بالتلف بسبب عوامل الغزو الثقافي. إلا أن الرائز المعتد في تدوال هذا الفن هو الشفوية التي بقيت صامدة أمام عرى الزمن.
وفي عصرنا الحديث، وفي ظل بزوغ الثقافة الرقمية بإبدالاتها المتعددة والمختلفة على أصعدة شتى، ثَمَّ إعادة الاعتبار إلى الشفوية التي أصبحت تتبدى بأثواب شتى مختلفة عما كانت عليه في السابق، نحن في زمن التفاعل الرقمي حيث القدرة الهائلة على تخزين المعطيات بشتى أنواعها وتنظيمها بما يتلاءم مع متطلبات المتلقي عموما.
منذ بدايات القرن الماضي والأصوات النقدية تتعالى لأجل تدوين الموسيقى الأندلسية المغربية، إذ كان يرى جل الباحثين أن التدوين الموسيقي (التنويط) هو سبيل الوحيد لحفظ هذه الموسيقى من الاندثار. لكن كل هذه الدعوات باءت بالفشل نظرا لاستفحال الشفوية وصواها التي تتجلى موسيقياً في الارتجال والهيروتوفونيا وأدبيا في التحويرات التي تطال المتن الشعري والتي تقف اليوم عائقا كبيراً أمام علم التحقيق. لقد ظلت موسيقى الآلة مخاتلة للنظرية الموسيقى الغربية الحديثة، متمنعة عن القبض التدويني الذي ظهر عاجزا أمامها إلا في حدود ثانوية.
ولعلنا ونحن في قلب الإبدال الرقمي يجب أن نفكر بجدية أكبر في تسخير إمكاناته لتخزين ذاكرة الموسيقى الأندلسية المغربية وجعلها طيعة للمتعلمين والممارسين والباحثين والمهتمين بشكل عام. ذاك رهانٌ يجب العمل عليه مستقبلا.
سفيان اكديرة
باحث في أدب وفنون الغرب الإسلامي