يعيش المغرب ظروف استثنائية وفي صيف مثقل بتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، وبعد حسم الجدل السابق إزاء توقيت الاستحقاقات الانتخابية، اعتبرت وزارة الداخلية في بيان أن عام 2021 سيكون سنة انتخابية بامتياز وسيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، وانتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان .
إن الدولة المغربية حسب جل القوانين المتعلقة بالانتخابات التشريعية والمحلية تقوم بمنح الأحزاب السياسية دعما ماليا من الدولة بقصد تمويل حملاتها الانتخابية في حدود السقف المحدد من الناحية القانونية بشرط وضع بيانات مفصلة لمصادر تمويل الحملة ثم وضع جرد كامل بالمبالغ التي صرفت أثناء الحملة مرفوق بوثائق الاتباث ، وللأسف في هذه النقطة غالبا ما يلجأ أغلب المرشحين الى الالتفاف على القانون في شكل كشوفات ووثائق مزورة قصد لنهب المال العام .إن أغلب المرشحين و حتى يضمنوا وعاءا انتخابيا يؤهلهم إلى الفوز بمقعد انتخابي سواء بالمجالس المحلية أو بمجلس النواب فهم يلجؤون إلى تمويل حملاتهم الانتخابية التي قد تعتمد مصادرا مشروعة أوغير مشروعة مستغلين بذلك حاجة الناس وضعف وضعهم الاجتماعي ثم عدم اكتراث العامة بالعملية الانتخابية ككل لكونها لا تنتج رخاء اقتصاديا ولا اجتماعيا، إلا للطبقات الاجتماعية المتداخلة على مستوى صنع القرار بالفاعل السياسي المركزي .
للأسف هذه حقيقة من حقائق السلوك الانتخابي بالمغرب فبواسطة المال تتم عملية شراء الذمم و الأدمغة فالمال يشكل في المجتمع إحدى القيم الأساسية بحيث أصبح كل شيء قابل للبيع والشراء.
يبقى الإشكال في المغرب إذا من كل هذا ليس في المرجعية القانونية ولا حتى في الوسائل اللوجستية والمالية و القضائية التي تتم تعبئتها بشكل يغطي احتياجات العمليات الانتخابية وإنما الإشكال يقع على مستوى الفاعل السياسي و الإداري بحيث يبقى التساؤل حول من يقرر بالفعل في مخرجات هذه العمليات الانتخابية كفعل عمومي؟ هل هو رجل السياسة ؟ أم هو رجل الاقتصاد؟ أو هو الفاعل الإداري ؟أم هم متدخلين آخرين؟
إن في المجتمع المغربي فئة تتقن لغة النصب على العامة من خلال تواجدها داخل تنظيم سياسي معين أو على الأقل هي تظهر بمظهر الفاعل والمقرب من رجل السياسة وبذلك من أجل أن يروج لذاته بأنه سوف يخدم الوطن وسوف يرفع مطالبهم للسلطة وهذا ما يجعله يتنقل بين المهام من وسيط إلى سياسي ينافس في العملية الانتخابية هذا النمط من العلاقات يتغذى على التخلف والأمية والفقر الشيء الذي يجعل الوصولي قريب من مراكز القرار محليا و حتى وطنيا، كما أن أغلب رجال السلطة وأعوان السلطة تحكمهم في اللحظات الانتخابية مصالح ذاتية وليس المصلحة العامة بدليل أن هذه النخبة الإدارية تتماهى مع الجميع وهي تنافق الجميع في الوقت الذي تدعم فيه طرف سياسي على طرف سياسي آخر بل و الدعوة له من مجموعة من القنوات خاصة المحلية المتمثلة في أعوان السلطة والتجار و الحرفيين و المقربين من السلطة و الذين يعتبرون هم كذلك انتهازيون من الدرجة الأولى، إن عون السلطة للأسف يلعب في هذا الإطار دورا مميزا بصفته منفذا لأوامر “الآعلى “، فالمقدمين والشيوخ يقومون بهذه المهام حفاظا على استمرارية تقة رجل السلطة فيهم من جهة ومن جهة ثانية حتى يحافظوا على موقعهم ما بين أفراد مجتمعهم والسلطة برغم من أنهم يعيشون بين الشعب ولا يراكمون ثروات .
إن الطبقة الاقتصادية الممثل في كبار الملاك تعتبر طبقة مؤثرة في الفعل السياسي نظرا للتراجع الاقتصادي العام للبلاد وتزايد تضرر الأوضاع الاقتصادية للفئات الاجتماعية بفعل الوضعية الوبائية الشيء الذي يؤدي الى تزايد البطالة مما ينتج عنه المزيد من الاستغلال للطبقات المستضعفة ماديا من خلال الزيادات في ساعات العمل دون مقابل أو الاستغلال المعنوي من خلال ابتزاز هذه الطبقات سياسيا وتسخيرها لخدمة أطراف سياسية بقصد التأثير في الفعل السياسي من بوابة الانتخابات لهذا تعد هذه الفئة فاعلا أساسيا وفي بعض الأحيان خطيرا نظرا لما تحققه في لعبة توجيه الانتخابات محليا و وطنيا، اننا نجد الملاك الكبار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يتحملون جزء مهم من حلول معضلة البطالة لكن هم يستثمرون ذلك لأغراض سياسية في مواجهتهم مع رجل السياسة إما بدعمه أو تأليب العامة عليه .
أما بخصوص علاقة العملية الانتخابية بالبيروقراطي والتقنوقراطي والنقابات الحزبية هي علاقة تصعب عملية التفرقة او التمييز ما بينهم، فالعمليات الانتخابية كفعل سياسي ما هي إلا لعبة إدارية يلعبها السياسي والإداري والتقني والاقتصادي والاجتماعي فقط لحماية المصالح الخاصة بهم ، فهؤلاء الفئات لهم أثر كبير على الفعل السياسي على المستوى الوطني.
إن الفعل السياسي هو تفاعل ما بين العديد من النخب فهو ليس عملية صرفة للسياسي بل هو مجال للتداخل ما بين التقنوقراطي والبيروقراطي كما يؤثر فيه أيضا الوصولي والانتهازي ورجل السلطة.
لكن للأسف في المغرب يتحول الفعل السياسي لمجال يتحكم فيه كل من التقنوقراطي والبيروقراطي والوصولي والانتهازي ورجل السلطة، مما يجعل العملية الانتخابية جد محدودة برغم مما يرصد إليها من موارد مادية وبشرية، ونظرا لكون اللاعبين في السياسة يعمدون إلى استراتيجيات أخرى بقصد ضمان تواجدهم خاصة على المستوى الحكومي ومن تم ليتفرغوا من بعد إلى توزيع الغنيمة السياسية عبر محددات متباينة يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي وهذا ما يبرر عدم صلاحية الانتخابات كفعل عمومي، وللأسف لازال الحزب السياسي في المغرب محدود على مستوى التصور والمساهمة في الفعل العمومي العام سواء على مستوى الفعل الانتخابي وسواء على مستوى إنتاج السياسات العمومية في ظل سيطرة بنيات لا سياسية على الفعل العمومي في المغرب.