نشرت في: آخر تحديث:
في ختام مسابقة أسبوع النقاد الرسمية بمهرجان كان السينمائي الدولي، عرض فيلم “مجنون فرح” للمخرجة التونسية ليلى بوزيد التي تعود للمهرجان مجددا بهذا الفيلم بعد مشاركتها في 2015 بفيلم “على حلة عيني” الذي لاقى نجاحا كبيرا. في “مجنون فرح” توظف ليلى بوزيد الغزل العفيف والشهواني والولع بالمحبوب في الأدب العربي القديم بشعره ونثره ليخدم الرغبة المحمومة بين فتاة تونسية وشاب فرنسي خجول من أصول جزائرية.
اختتم فيلم “مجنون فرح” للمخرجة التونسية ليلى بوزيد أعمال مسابقة أسبوع النقاد الرسمية في مهرجان كان السينمائي، وهو فيلمها الثاني في المهرجان بعد فيلم “على حلة عيني” عام 2015، الذي يناقش مشاكل الشباب العربي عبر شخصية الفتاة فرح.
فيلم ليلى “مجنون فرح” مليء بالألوان والموسيقى والشعر العربي القديم الذي يتحدث عن الغزل والحب الشبقي والخمر. عن الثقافة العربية في القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر عندما كانت في أوج ازدهارها وانفتاحها وتقبلها لكافة الأفكار والمشاعر والعواطف.
نقابل في “مجنون فرح” قيس بن الملوح ومحيي الدين بن عربي وعمر الخيام وأبو نواس وغيرهم من شعراء الغزل والحب العرب الذين طرحوا في أشعارهم مشاعر الحب والعشق والغرام والولع والشهوة والشبق والخمر دون أن يعرفوا حدودا. فابن عربي يقول في ترجمان الأشواق:
“لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي .. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ .. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ .. وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ .. ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني”
تنفض ليلى بوزيد الغبار عن هذا الجانب من الأدب العربي الذي أهالت عليه قرون الانحطاط طبقات من الغبار لتخفيه عن عيون العرب واستبدلته بنصوص لا حياة فيها ولا روح تجمدت في الزمان والمكان والعقول وأغلقت الباب أمام حرية المشاعر ودفء العواطف العابرة للزمان والمكان.
الفيلم المصري “ريش” لعمر الزهيري يحصد الجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد
“مجنون فرح” قصة شاب وفتاة عربيين يملؤهما الحب والرغبة، ورغم اتفاقهما اسميا في الأصول العرقية إلا أن شقة الهوية واللغة والثقافة والبيئة باعدت بينهما. ففرح فتاة تونسية تصل إلى باريس لتدرس الأدب في جامعة السوربون، وأحمد شاب فرنسي من أصول جزائرية يعيش في الضواحي الباريسية مثله مثل أبناء الجيل الأول والثاني من المهاجرين.
تتميز شخصية فرح بالانطلاق والانفتاح وحب المغامرة وتجربة كل ما هو جديد بلا حدود أو عوائق تقف في طريقها، تريد أن تصل لما تريده بأقصى ما يمكنها من سرعة وتؤمن أن القلب لا ينفصل عن الجسد وأن الحب يجر وراءه الجنس والشهوة. بينما أحمد تلقى تربية محافظة رغم وجوده في فرنسا بلد الحرية وبات منغلقا على نفسه محاطا بمجموعة من الشباب العرب أبناء المهاجرين التقليديين، ولا يعرف للحب معنىً غير اعتمال العواطف والمشاعر في صدره، والجنس في نظره دنس مع أنه لا يتورع عن ممارسة العادة السرية قضاءً لشهوته.
للمزيد: مجنون فرح للمخرجة ليلى بوزيد..شريط سينمائي عن الحب والرغبة
يلتقيان إذن على مقاعد الدراسة وتجمعهما فصول الأدب المشتركة، يتعرفان بعضهما على بعض وتتفجر فيهما مشاعر الحب المتبادل، وهنا يبدأ الصراع بينهما بين شد وجذب، عناد وتصالح، مواربة ومجاهرة. يصاب أحمد بالصدمة من تحرر فرح وتصالحها وتسامحها مع جسدها، بينما هو يمتلك جسدا مثل الحجر أو قطعة الخشب لا يفهم الموسيقى أو حتى يتمايل على أنغامها.
فرح لا تخشى أحدا ولا تلقي بالا لعيون ونظرات من يحيطون بها، وأحمد يحسب ألف حساب لكلام الناس وانطباعاتهم عنه. لا مفر إذن من التصادم والتباعد؛ فالشاب ليس لين العريكة ولا زال أمامه الكثير من الوقت ليفهم لهفة فرح وانجذابها إليه، يريد أن يظل في حبه العذري لها ولا يريد أن يخطو خطوة ولو صغيرة تجاه جسدها.
معالجة جريئة من ليلى بوزيد لا نراها في أفلام كثيرة، فهي تقدم لنا سينما خاصة تتحاور فيها الكاميرا مع السيناريو والموسيقى وأداء الممثلين الطبيعي التلقائي لتخرج لنا في النهاية كيانا متكامل الأركان لا نملك إلا الإعجاب بانسجامه وتجانسه وتعبيره بصدق عن رؤية المخرجة.
حسين عمارة موفد فرانس24 إلى مهرجان كان السينمائي