إعادة إحياء احتجاز الكربون.. دور مزدوج يخفف من آثار التغير المناخي

منذ عقود طويلة، طُرحت فكرة بسيطة للتعامل مع انبعاثات الكربون، المتهم الأول في أزمة التغير المناخي. الحل المقترح هو إعادة حبس تلك الانبعاثات تحت سطح الأرض.

ولهذا الغرض طُوّرت تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، ليتم التقاط الانبعاثات من مصدرها، كالمصانع ومحطات الكهرباء، أو حتى من الهواء، ليتم بعد ذلك ضخها في مكامن جيولوجية تحت الأرض، كالحقول النفطية غير المستخدمة، لكن تلك التقنيات لم تفلح في ضوء تكاليفها الباهظة. حتى الآن.

فيبدو أن تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه على موعد مع عهد جديد. ففي ضوء اتفاقية باريس للمناخ وأهدافها بالوصول الى صافي صفر بحلول عام 2050، يتم إعادة إحياء احتجاز الكربون كأداة مكّملة للعديد من الوسائل والمقاربات الأخرى الهادفة لتحقيق الحياد المناخي.

ووجدت التقنية طريقها إلى استراتيجيات وخطط العديد من الدول وكبرى شركات النفط والغاز الدولية والوطنية، إذ تتمتع تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه بميزة تؤهلها للعب دور مزدوج في التخفيف من آثار التغير المناخي.

فهي أولا قادرة على خفض الانبعاثات الصادرة عن الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة كالإسمنت والصلب والكيماويات. إلى جانب محطات الكهرباء لا سيما تلك العاملة على الفحم. بالإضافة إلى إنتاج الهيدروجين الأزرق المنزوع الكربون. وقد ثبتت فاعلية التقنية في هذه المجالات من حيث التطبيق والكلفة.

أما دور التقنية الثاني، فيكمن في إزالة الكربون خاصة عبر تقنيات الالتقاط المباشر للكربون من الهواء، لتتمكن من سحب تلك الكميات من الكربون التي يَصْعُب تجنب إطلاقَها أو احتجازها عند المصدر.

وانعكست هذه التغيرات الاستراتيجية والتطورات التقنية الأخيرة إيجابا على اهتمام المستثمرين بمشاريع احتجاز الكربون. وارتفع العدد العالمي لتلك المشاريع التجارية، المُشغّلة، الكبيرة الحجم من 8 مشاريع عام 2010 إلى 26 بنهاية العام الماضي بحسب Global CCS Institute. ليصل عدد المشاريع قيد الإنشاء إلى 3. ويبلغ عدد تلك تحت التطوير 34.

وبحسب WOOD MACKENZIE فإن المشاريع تحت التطوير التي وصلت إلى مراحل متقدمة تصل سعتها إلى نحو 130 مليون طن سنويا.

الجدير بالذكر أن أكثر من نصف إجمالي القدرات التشغيلية لاحتجاز الكربون وتخزينه القائمة اليوم عالميا تتركز جغرافيا في أميركا وكندا. في حين أن 65% منها تستعمل في تطبيقات معالجة الغاز الطبيعي. والتي تتميز اليوم بانخفاض كلفتها نسبيا.

وتشير بعض الدراسات الى أن الوصول الى صافي صفر بحلول عام 2050 سيتطلب مضاعفة السعات التشغيلية لاحتجاز الكربون القائمة اليوم بأكثر من 100 مرة, وارتفاع عدد مشاريع احتجاز الكربون حول العالم ليتجاوز 2000 مشروع.

إلا أن هذه الزيادة في قدرات احتجاز الكربون وتخزينه تواجه تحديات عديدة لجهة الوصول الى الحجم المطلوب. ومن أبرزها أولا، العامل التجاري – خاصة في الأماكن التي لا حاجة لها لثاني أكسيد الكربون كلقيم، وثانيا، ارتفاع كلفة بعض تقنيات احتجاز الكربون خاصة تقنيات الالتقاط المباشر للكربون من الهواء، وثالثا، غياب بيئة تشريعية ورقابية مساندة في بعض الأسواق، وأخيرا، نقص البنية التحتية اللازمة لنقل ثاني أكسيد الكربون.

لكن وبالرغم من تلك التحديات، يرى مناصرو تقنيات احتجاز الكربون أن هذه الأهداف قابلة للتحقيق. ويشيرون الى أحد أبرز حلول تطوير هذه التقنية تجاريا, وهي انشاء تكتلات مركزية لاحتجاز الكربون وتخزينه، تتألف من مجموعات صناعية مُصْدرة لثاني أكسيد الكربون تكون قريبة من مواقع التخزين المحتملة.

بالتالي هذه التجمعات وقربها الجغرافي من بعضها البعض سيسمح لخفض المخاطر المرتبطة بتطوير تقنيات احتجاز الكربون عبر المشاركة في تكاليف البنى التحتية اللازمة من جهة وتفعيل اقتصاديات وفورات الحجم من جهة أخرى.

فهل يتصدر احتجاز الكربون وتخزينه سلم أولويات صناع القرار فيما يخص الحياد المناخي, أم يتذيلها لصالح تقنيات ومقاربات أخرى مثل الطاقات المتجددة وتقنيات كفاءة الطاقة؟

Source