أفضل تطبيق لتقنية احتجاز الكربون سيكون في الصناعات الثقيلة

قال الدكتور خوليو فريدمان وهو أحد أهم المراجع الأكاديمية في مجال الكربون، إن تقنية احتجاز الكربون ستكون إحدى التقنيات التي سيتم تبنيها في العديد من القطاعات الاقتصادية.

وأضاف أن لديها تطبيقات حقيقية في قطاع الطاقة الكهربائية، وفي النقل، وفي إنتاج الهيدروجين وفي إزالة ثاني أكسيد الكربون.

“لكن أفضل تطبيق مناخي لها سيكون في الصناعات الثقيلة، كمصافي التكرير وإنتاج الصلب والإسمنت والخرسانة، حيث إن تلك القطاعات خياراتها المتاحة قليلة جدا. كما أن احتجاز الكربون سيكون مهما جدا في إزالة الكربون من قطاع الطيران ومن قطاع الشحن البحري عبر المساعدة في زيادة حجم إنتاج الهيدروجين من جهة، وعبر إزالة ثاني أكسيد الكربون بشكل مباشر من الهواء أو من المحيطات”، وفقا لفريدمان.

وأوضح أن أفضل سياسة دعم بالنسبة لتقنيات احتجاز الكربون هي تلك القابلة للتشريع. ففي الولايات المتحدة “يبدو أننا نفضل مزيجا من اللوائح التنظيمية الخاصة بالانبعاثات التي تصدرها وكالة حماية البيئة، إضافة إلى السياسات الضريبية التي يقرها الكونغرس”.

عقود الكربون

وأشار إلى أن أوروبا تعتمد بشكل أساسي على تعرفة التغذية، في حين أن بريطانيا تستخدم عقود الكربون للفوارق أو carbon contracts for difference وهي آلية تضمن دفع الفارق إذا كان سعر الكربون أقل من مستوى معين.

“أما في كندا، فيعتمدون على مزيج من كل ما سبق من سياسات. كما لديهم ضريبة على الكربون تم اعتمادها من المحكمة العليا مؤخرا والبالغة 170 دولارا للطن. كما تشمل سياساتهم الهبات المالية للمشاريع التجريبية والبنى التحتية الضرورية. كل ما سبق من سياسات أمر ضروري لدعم انتشار تقنيات احتجاز الكربون. في صميمها، تلك التقنيات ليست باهظة الكلفة، لكن مشكلتها هي أن تمويلها صعب، حيث لا يمكنك تحقيق عوائد مجزية على استثماراتك بها لأنها لا تلقى ما يلزم من الدعم الحكومي. لذا فأي سياسة داعمة أو محفزة ستأتي بالنتيجة المطلوبة. وهذا يشمل خلق طلبٍ سوقيٍّ كافٍ للمواد منخفضة الكربون. فمثلا اليوم الحكومة اليابانية مستعدة لدفع علاوة سعرية خضراء للأمونيا منخفضة الكربون والتي تنتج من الهيدروكربون المربوط بتقنيةٍ لاحتجاز الكربون. وهو ما يطلق عليه اسم الأمونيا الزرقاء أو الهيدروجين الأزرق. وهذه العلاوة السعرية الخضراء في اليابان كافية بالنسبة لشركات احتجاز وتخزين الكربون هناك”، وفقا لفريدمان.

وأشار إلى أن بعض تطبيقات إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون اليوم هي تجارية بالفعل. فعلى سبيل المثال، فإن مزج ثاني أكسيد الكربون في تصنيع الإسمنت والخرسانة قد وصلت تكلفته إلى نقطة التعادل مع التصنيع التقليدي لتلك المواد. “وذلك تم تحقيقه عبر تركيبات جديدة لشركات مثل carboncure وSolidia وcarbon8، وتطبيقٌ آخر لإعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون تفاجأنا بكونه أصبح تجاريا اليوم هو في إنتاج أول أكسيد الكربون. وهي سلعةٌ تُنْتَجُ وتُتَداول بشكلٍ واسع حول العالم. حيث إن كلفة إنتاجه عبر التفاعلات الكهروكيميائية قد أصبحت مماثلة لكلفته الحالية في الأسواق”.

وأوضح أن بعض تطبيقات إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون في إنتاج الأوليفينات أو الميثانول أو اليوريا فلم تنخفض كلفتها بعد إلى مستوى كلفة ما يتم إنتاجه تقليديا في الأسواق. ولكن بالدعم الحكومي بالإمكان جذب الاستثمارات اللازمة لجعل تلك التقنيات تجارية. فبعضها وصل إلى مستويات متقدمة ولكن معظمها ما زال في المراحل التجريبية. وتشير تقديراتنا إلى أننا قادرون على الوصول بقطاع إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون إلى معالجة ما بين 3 إلى 6 مليارات طن سنويا.

تطور التقنيات

وأشار إلى أن التقنية تطورت بسرعة فائقة خلال السنوات القليلة الأخيرة, وقد انخفضت كلفتها بنفس الوتيرة. إحدى فئات هذه التقنيات هي تلك المعتمدة على المواد المُمْتَزّة الصُلبة القادرة على جذب جزيئات الغازات أو السوائل إلى سطحها. أغلب تلك المواد في السابق كانت الأمينات الصلبة ولكن اليوم يتم تجربة ما يعرف بالأطر المعدنية العضوية. وهي تقنية بالإمكان استخدامها لإعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون عند مصدر الانبعاث. حيث تعمل شركة Svante (سفانتي) على هذا. كما أن هناك شركتين تَستخدم تلك المواد في تقنية الاحتجاز المباشر من الهواء وهما climeworks وglobal thermostat. وقد استطاعت تلك الشركات تحسين كفاءة تلك التقنيات على صعيد حجم الإنتاج وسرعته، مما أدى إلى تخفيضات قوية في الكلفة الرأسمالية لتلك التقنيات بنسب وصلت إلى نحو 85%.

وذكر أن هناك أيضا عددا من التقنيات الأخرى قيد التطوير مثل الوتر الكهربائي الممتز. والذي يستخدم التغيرات في الجهد الكهربائي لجذب ثاني أكسيد الكربون من الهواء أو في السوائل. هناك تقنية أخرى تقوم على تجميد ثاني أكسيد الكربون مباشرة في غازات المداخن.

وتابع: “نلاحظ أن حجم إنتاج تلك التقنيات في مراحلها التجريبية آخذ بالارتفاع. ولديها ميزات واعدة. كون معظمها يعمل كليا على الكهرباء ولا يحتاج إلى الطاقة الحرارية. وهذه ميزة مهمة في عالم ستزداد فيه الطاقات المتجددة. حيث أنه ومع انخفاض كلفة الطاقات المتجددة تنخفض كلفة تلك التقنيات التي تشكل الكهرباء الجزء الأساسي منها”.

وتابع: “يتخيل كثيرون أن تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه تحتاج الى عمليات صناعية ضخمة ولكن ما نراه في التقنيات الجديدة أنها تتجه نحو تقنيات كهربائية معيارية صغيرة البصمة. ومن المثير جدا أن نعرف أن المُنْتَج الثانوي لعمليات تلك التقنيات هو الماء العذب. وهذه خاصّية قيّمة بالنسبة لبعض الدول حول العالم خاصة لدول الخليج”.

جهود صناعة النفط والغاز

ويرى أن صناعة النفط والغاز قد رفعت من مجهودها على هذا الصعيد، ولكن الأمر ليس متجانسا. فبعض الشركات كانت سباقة أكثر, مثل “شل” و “توتال” و Equinor و bp و occidental التي تعتبر رائدة في هذا المجال.

وتابع: “بدأنا نرى شركات أخرى تدخل ميدان احتجاز الكربون مثل “أدنوك” وأرامكو. وكل هذه أمورٌ مُرحبٌ بها. لكن في نفس الوقت أستطيع القول بأن تلك الجهود ما زالت بطيئة وغير كافية على الإطلاق! فهذه الصناعة عليها أن تنشئ صناعة موازية تناهزها حجما. فصناعة النفط والغاز تنتج أكثر من 5 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا من خلال ما يتم استهلاكه من منتجاتها. بالتالي نحتاج الى صناعة موازية قادرة على إزالة 5 مليار طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون عبر الاقتصاد الدائري للكربون”.

وقال “أتفهم أن تحقيق الإيرادات صعب للغاية من هذا النشاط حاليا. ولكن على الصناعة أن تحاول استهداف ذلك بقدر أكبر. عليها أن تنفق المزيد على المشاريع التجريبية, عليها أن تنفق أكثر على البنى التحتية, عليها أن تنشئ مراكز صناعية لاحتجاز الكربون وعليها إيجاد أسواق وشركاء جدد. الصناعات الثقيلة تشكل تطبيقا مهما بالنسبة لتقنيات احتجاز الكربون. وهذه فرصة مثالية لشركات النفط والغاز. وبدأنا نرى ذلك يتبلور مع صناعة الصلب في أوروبا ومع صناعة الإسمنت في أميركا ومع الصناعات الكيماوية حول العالم. نرى المزيد من الشراكات في تلك المجالات. بعضها يتمحور حول تعديلات في النماذج القائمة لكن الأهم من ذلك بدأنا نرى مشاريع لإنتاج الهيدروجين الخالي من الكربون (الأزرق والأخضر). والهيدروجين الأزرق تحديدا بالإمكان زيادة حجم انتاجه بشكل سريع. وهذا يشكل فرصة رائعة بالنسبة لصناعة النفط والغاز”.

الهيدروجين

وأوضح أنه العام سيحتاج حتما الى كميات ضخمة من الهيدروجين. “لا أرى كيف باستطاعتنا الوصول الى عالم “صافي صفر” من دون ذلك. ويجب أن يكون هذا الهيدروجين اما منخفض الكربون أو خال منه. وهذا سيتطلب استثمارات طائلة. وهنا تكمن ضرورة السياسات الحكومية الداعمة لتحقيق ذلك. وهي سياسات بدأنا نراها في أوروبا, وفي اليابان كما أشرتُ سابقا، وحتى في أميركا من خلال الخصومات الضريبية لمشاريع انتاج الهيدروجين منخفض الكربون. وكل ذلك سيتطلب استثمارات هائلة في البنى التحتية كما ستفصل ذلك دراسة ستصدر عنا قريبا. وستصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات. ولكن هذا هو المطلوب! فنحن ننفق تريليونات الدولارات حول العالم على أمور أخرى. وهذه ستكون أحد هذه الأمور التي نحتاج الى الانفاق عليها بنفس القدر! والبنى التحتية الضرورية ستكون خليطا من الأخضر والأزرق. فمن المؤكد أننا سنشيد طاقات متجددة تكون مخصصة بالكامل لإنتاج الهيدروجين، مثل ما سيحصل في مشروع “نيوم” كما تعرف. حيث ستعمل شركة Air Products و ثيسين كروب و السعودية على انتاج الأمونيا الخضراء. وهذا مشروع ضخم فعلا! تبلغ قيمته نحو 5 مليارات دولار. ملياري دولار ستنفق على البنى التحتية. لكنها ستَستَخدم تقنياتٍ قادرةٌ على أن تُدِرَّ الأرباح من اليوم. وسيلحق بنيوم مستقبلا مشاريع أخرى عديدة مماثلة”.

وأشار إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون كل الهيدروجين المنتج في المستقبل أزرقا. ولكن قيمة احتجاز الكربون هي في أنه يوفر المال. حيث أن الهيدروجين الأزرق اليوم أرخص من الأخضر بنحو المرتين الى ست مرات وهذه ميزة مهمة.
ويوفر الهيدروجين الأزرق الوقت. فأكبر مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر اليوم ينتج 2.5 طن يوميا. في حين أن أكبر مصنع لانتاج الهيدروجين الأزرق اليوم يُنتج 500 ضعف ذلك، بالتالي بمقدورك اليوم إيصال كميات ضخمة وبسرعة من الهيدروجين الأزرق الى السوق.

ويخفض الهيدروجين الأزرق المخاطر. “فليس لدينا اليوم ما يكفي من المصانع عالميا لإنتاج ما أجهزة التحليل المائي المطلوبة. لكن لدينا ما يكفي لإنتاج الأزرق. فأنت قادر على شراء ما يلزمك من أجهزة اصلاح الميثان بالبخار وأجهزة الإصلاح الحراري الذاتي لبناء مصانع هيدروجين قادرة على انتاج 2000 أو حتى 3000 طن يوميا من الهيدروجين الأزرق بكل سهولة”.

وذكر أنه تم الإعلان عن مشروع في كندا لإنتاج الهيدروجين الأزرق بطاقة 2000 طن يوميا ومن المرتقب أن يدخل الخدمة خلال سنوات معدودة.

وتوقع في المستقبل وجود مزيجا من الهيدروجين الأزرق والأخضر. والشيء الذي سيحدد نصيب كل منهما هو السياسات التي سننتهجها، وكمية الأموال التي سننفقها وحجم البنى التحتية التي سنشيدها. هذا ما سيحدد حقيقةً، مستقبل الهيدروجين، ومستقبل صناعة النفط والغاز.

Source