6 بنوك مركزية بالمنطقة في مأزق صعب.. ماذا يفعل المحافظون؟

على الرغم من اعتماد جميع حكومات العالم على خزائن البنوك المركزية لمواجهة الجائحة الصحية التي فرضت على الحكومات التوسع في الإنفاق العام لتجاوز مرحلة الانكماش التي خلفتها التداعيات الخطيرة لفيروس كورونا المستجد، لكن تبقى 6 بنوك بمركزية في المنطقة تواجه أزمات حادة وعنيفة، يتصدرها البنك المركزي التركي الذي يحمله الرئيس رجب طيب أردوغان مسؤولية انهيار العملة، وفي كل مرة يكون المحافظ هو الضحية.

وتشير المعطيات القائمة إلى أنه بخلاف البنك المركزي التركي الذي يضعه الرئيس التركي في مقدمة أسباب انهيار العملة وتدمير الاقتصاد بسبب الفائدة المرتفعة، فإن البنك المركزي الليبي أيضاً في أزمة، حيث طالب أعضاء مجلس النواب الليبي بتغيير هوية محافظ البنك المركزي في إطار عمليات محاربة الفساد ووقف نزيف المال العام.

أيضاً، في اليمن، انتهك الحوثيون معلومات البنك المركزي، حيث قاموا باستخدام وحدة جمع المعلومات في البنك المركزي بصنعاء، لتنفيذ خططهم عبر انتهاك السرية المصرفية. فيما يتصدر البنك المركزي الإيراني قائمة الجهات التي تقع تحت طائلة العقوبات الأميركية.

في الوقت نفسه، فإن البنك المركزي اللبناني يواجه أزمات خانقة، حيث يزحف اقتصاد البلاد نحو حافة الهاوية في ظل استمرار اعتماد البنك المركزي على خزائنه في دعم الواردات. وفي سوريا وفي ظل تفاقم الاقتصادية يقع البنك المركزي في مواجهة مع أزمة اقتصادية عنيفة. وكل هذه الأزمات تضع استقلالية البنوك المركزية الستة على المحك.

تجاوزات مستمرة في ليبيا

في الوقت الحالي، تتعدد الأزمات التي تواجهها البنوك المركزية الوطنية بما يكشف عن التفاعلات التي تشهدها دول الإقليم، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة. حيث تشير دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ومقره الإمارات، إلى مطالبة أعضاء مجلس النواب الليبي بتغيير هوية محافظ البنك المركزي، وهو الصديق الكبير الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان وبقى في منصبه لمدة عشر سنوات.

وتمكنت الجماعة عبر حزب العدالة والبناء، وهو ذراعها السياسي، من السيطرة على مفاصل الدولة الهشة بطبيعتها ومناصبها السيادية ومن بينها البنك المركزي. غير أنه بعد تشكيل السلطة الليبية الجديدة، ظهرت ضغوط من مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح لإقالة الصديق الكبير تنفيذاً لمخرجات الاتفاق السياسي القاضي بإعادة تسمية شخصيات جديدة لشغل المناصب السيادية.

انتهاك السرية المصرفية

في اليمن، تم استخدام معلومات البنك المركزي لانتهاك السرية، حيث استخدمت الجماعات المتطرفة، وحدة جمع المعلومات في البنك المركزي بصنعاء لتنفيذ خطتها الرامية إلى انتهاك السرية التي تتسم بها المصارف، الأمر الذي يفتح باباً للتلاعب في الودائع. وقد أدى ذلك إلى توقف لجنة مكافحة غسل الأموال، ما فاقم من خطر القيام بعمليات غسيل الأموال وتمويل الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة.

وفي سوريا ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، قرر النظام السوري قبل أيام، عزل حاكم مصرف سوريا المركزي. ولم تكشف وسائل الإعلام الرسمية عن سبب محدد لإقالة “حازم قرفول” الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات اقتصادية في سبتمبر 2020. وتشير بعض التحليلات إلى أن سوريا تواجه أزمة اقتصادية خانقة، زادت من حدتها العقوبات الغربية على نظام الأسد وتداعيات فيروس كورونا المستجد.

يضاف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي في لبنان، حيث يودع عدد من رجال الأعمال السوريين أموالهم في المصارف اللبنانية. وهنا، يحاول النظام السوري الحد من تراجع قيمة العملة الوطنية بما أدى إلى ارتفاع التضخم، وتعقيدات لا أول لها من آخر فيما يتعلق بحصول المواطن السوري على الخدمات الرئيسية.

ماذا يفعل محافظ “المركزي التركي”؟

في تركيا، هناك إصرار من قبل الرئيس التركي على الإمساك بمفاصل الهياكل المالية، وخلال الفترة الماضية قرر الرئيس التركي عزل أكثر من محافظ للبنك المركزي أخرها ما حدث في مارس الماضي، بإقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، بعد أقل من خمسة أشهر على تعيينه، بسبب موافقته على رفع سعر الفائدة إلى 19 في المئة، وتم تعيين شهاب قاوجي أوغلو خلفاً له لاسيما بعد تراجع قيمة الليرة وتزايد أعراض هشاشة الاقتصاد، خاصة في ظل أزمة كوفيد-19، وما يرتبط بذلك من ارتفاع معدلات التضخم.

ويرفض الرئيس أردوغان علناً أسعار الفائدة المرتفعة، لأنها تزيد من التضخم وفقاً لتصوره، إذ سبق أن وصفها بأنها “أب وأم كل الشرور”. ولعل ذلك يؤثر على مصداقية واستقلالية البنك المركزي التركي في ظل هيمنة الرئيس على وضع السياسات النقدية، لاسيما بعد تحول البلاد إلى النظام الرئاسي منذ عام 2017، إذ يسعى الرئيس أردوغان إلى إعادة إدارة الاقتصاد ليصبح القرار الاقتصادي خاضعاً لمؤسسة الرئاسة، في الوقت الذي يتم إضعاف المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي.

إيران

وربما تبدو الأزمة في إيران أكثر حدة، حيث يتم تصدير صورة استيعاب إيران لصدمة الضغوط الأميركية من خلال البنك المركزي. ومؤخراً، أكد محافظ البنك المركزي الإيراني عبدالناصر همتي أن “الضغوط التي فرضت على إيران خلال الأشهر الـ32 الماضية، خلقت مشاكل أكثر جدية، ولكننا بدعم من قائد الثورة والحكومة، وهمم الشعب قد تجاوزنا هذه المرحلة الصعبة جداً والضغوط القصوى”.

وأكد المحافظ أن “أحداثاً سيئة جداً وقعت في العام الإيراني الماضي منها تفشي جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط العالمية إلى ما دون 10 دولارات وقطع صادرات السلع بسبب كورونا والانخفاض الشديد في سعر البنزين وانخفاض الطلب على المنتجات البتروكيماوية والصلب”.

وخلصت الدراسة إلى أن هناك حالات مختلفة تعكس أزمات البنوك المركزية في عدد من الدول مثل ليبيا واليمن وسوريا ولبنان وتركيا وإيران، يحمل بعضها أزمات داخلية وبعضها الآخر مشكلات خارجية، على نحو يعقد من الوضع الاقتصادي الضاغط في بؤر الصراعات العربية المسلحة أو القوى الإقليمية الشرق أوسطية، وهو مسار من المتوقع استمراره خلال العام الحالي لأنه لا توجد مؤشرات على تصحيح الأوضاع المختلة في تلك الدول.

Source