هواتف ذكية ..وعقول غبية
الخبثون دائما يتصيدون أخطاء الآخرين ويتتبعون زلاتهم كأنهم ملائكة السماء الذين لايخطئون ، يتصيدون العثرات والهفواتِ والسقطات من غير عناية أو إحساس بتأنيب الضمير ، وهذا لدى العقلاء طبع سيء، وخلق ليس بكريم، بل قد يكون فيه طبع من طباع أبشع المخلوقات وأنجسها، قال ابن القيّم -رحمه الله- “ومن الناس من طبعُه طبعُ خنزيرٍ، يمرّ بالطيّبات فلا يَلْوي عليها، فإذا قام الإنسانُ من رجيعهِ قَمَّهُ، وهكذا كثير من النّاس يسمعُ منك ويرى من المحاسن أضعافَ المساوئِ فلا يحفَظُها، ولا يَنْقُلُهَا، ولا تُنَاسِبُهُ، فإذا رأى سَقْطَةً، أو كَلِمَةً عَوْرَاءَ، وجد بُغيتَهُ وما يُناسبُها، فجعلها فَاكِهَتَهُ وَنُقْلَهُ” 26 – (مدارج السالكين) لابن القيم .
مهما اختلفنا وبلغ الاختلاف أقصاه حد الخصام أو القطيعة الابدية ، ليس هناك ما يبرر سلوك الاصطياد في الماء العكر ، لأن الأخلاق المتأصلة في مجتمعنا لا تسمح بذلك إنما الذين في قلوبهم مرض الحقد والتجسس على عورات الاخرين يجدون في ذلك متعة ويظنون أن ذلك السلوك المرضي دهاء وتميز يمنحهم مكانة و هبة الآخرين الذين كثيرا ما يتجنبون مثل هؤلاء الأنواع من البشر ليس خوفا إنما لأنهم يصنفون في خانة عديمي الرجولة والمروءة على حد سواء ..
بينما أتصفح رسائل موقع التراسل الفوري “الواتساب ” تفاجأت بفيديو أرسله أحد الأصدقاء طالبا مني نشره وتعميمه لكن ما لا يعرفه هذا الصديق أن الصحافة كالسياسة أخلاق أولا والحياة الشخصية للافراد خط أحمر لما لها من تبعيات أسرية / عائلية أولا دون إغفال الجانب القانوني الذي يعاقب على جريمة التشهير وتصوير شخص دون علمه أو إذنه ، لكن بغض النظر عن ما سبق هناك ما هو أسمى وهي الأخلاق والقيم الإنسانية التي تسموا فوق كل اعتبار ..
ما معنى أن يتواجد شخص في حفل بهيج وتقوم راقصة بالرقص أمامه وهذا سلوك متعارف عليه في المجتمع المغربي ومقبول الى حد ما ، لكن الغير المقبول أن يقوم أحدهم بتصويره خلسة وتعميم الفيديو دون أدنى تفكير في الحياة الشخصية للآخرين التي يمكن أن تتدمر (الطلاق مثلا ) بسبب هذا السلوك الوقح والصبياني … هل نحن ملائكة ليس لنا عيوب لكي تصل الوقاحة ببعضنا الى التشفي والسخرية من شخص مهما تكالبت عليه الكلاب سيظل رجل البر والاحسان المحبوب من طرف الجميع وإن ظل الخبثون يصطادون في الماء العكر ظهرا من الزمن لن يسقط بقدر ما هم يتساقطون تباعا كما تتساقط أوراق الاشجار في الخريف ، كما أن عامة الناس لا تنظر لما يفعل المرء في الخفاء إنما ما يهمها هو ما يقدم لها في السراء والضراء وليس لما ينشر من وساخة الايام كفيلة بمحوها لكن حبذ أن ينظف ذلك المريض النفساني وساخته وقذارته الباقية الى الأزل وإن استحم ليل نهار لن يمحوها الزمن …
لن أعلن تضامني مع رجل البر والاحسان صاحب الابتسامة البريئة لأنني متأكد أنه ليس بحاجة لها وأعماله الخيرية تتضامن معه بشكل يومي ، بل سأكتفي بالدعاء له أولا وتوجيه رسالة شكر وعرفان بالجميل الذي كلما كانت هناك جنازة في حينا اتصلنا به من أجل خيمة فلا يردنا خائبين ، وفر لنا كساكنة سيارات لنقل الاموات بالمجان ، وهذا أكبر تضامن يقدمه لنا نحن عامة الشعب ولا يهمنا حياته الشخصية التي ليس لنا بها دخل من قريب أو بعيد ولا يهمنا ما ينشر البعض لأننا مدركين أن ما ينشر لن يفيدنا بقدر ما سنكتشف أننا أضعنا دقائق في مشاهدة فيديو بدون فائدة ولن يغير الواقع البعيد كل البعد عن مواقع التواصل الاجتماعي الكاذبة ، نحن متأكدين حد اليقين أن ما ينشر ليست هو الحقيقة التي ندركها منذ سنوات والتي تقول أن الحاج رجل طيب وإنسان محبوب استطاع خطف الأضواء وربط علاقات جد متميزة مع السلطة وعامة المواطنين لهذا فليكن في علم من يجهل الحقيقة أن ذلك الفيديو ليس سوى تصفية للحسابات ومحاولة بائسة مدفوعة الثمن من أجل النيل من رجل عصامي بغية إسقاطه لكن هيهات أن يسقط شخص أحبه الله فأحب فيه خلقه .
بعد يومين على الأكثر ستنتهي صلاحية الفيديو المشؤوم وتبدأ قصة المتابعة القانونية التي لا مفر من العقاب ، وتعود الامور الى حقيقيتها وسيظل الحاج رجل البر والاحسان ويظل المرضى النفسانيين يصطادون في الماء العكر الى أن يسقطوا في شر أعماله ووقتها سيتجرعون مرارة الكأس الذي سقوا به الاخرين ظلما وعدوانا ، فقط هي مسألة وقت وينتهي الموضوع لكن ما اقترفت أيادي البعض ستظل فوق أعناقهم الى يوم البعث .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: «ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام؛ فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأقاربه وأحبابه وأصحابه وجيرانه وزملائه كي تحلو مجالسته وتصفو عشرته».
كل التضامن مع الرجل الطيب ولا عزاء للحاقدين أصحاب الهواتف الذكية والعقول الغبية عدمي الأخلاق والمروءة …